فحوى رسالة جنبلاط للحريري: إما أن تضحي أو تتمّ التضحية بك
متفوقاً على غيره ظهر رئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط وقد سلم بالتحولات التي تشهدها المنطقة. لم يكابر في المواقف التي اطلقها. يدرك ان غزة بما شهدته من مواجهات انتهت الى اتفاق لصالح شعبها احدثت انقلابا حقيقيا مترافقا مع محادثات فيينا الايجابية بشأن الاتفاق النووي، والحوار السعودي -الايراني والسعودي -السوري. لبنان لم يعد اولوية وعليه ان يلملم أوضاعه ليصمد الى حين ينجلي المشهد الاقليمي.
كل ما قاله تكرار لمواقف سابقة، لكن جديد جنبلاط كشف المستور في علاقة الحريري مع المملكة السعودية وبأن لا حلول مرتقبة لان المملكة لا تريده وقد فشلت المساعي الدولية والعربية لتغير الوقائع. وهذه حقيقة في متناول السياسيين لكنهم يتقصدون المواربة وتجنب الافصاح عنها لعلّ وعسى ان تتغير الوقائع. السعودية لا تريد الحريري وعلى الاخير ان يستدرك الموقف ويلتحق بتسوية مع رئيس الجمهورية ميشال عون ولو على سبيل التضحية من اجل الشعب اللبناني.
منذ فترة طويلة والعلاقة باردة او مقطوعة بين جنبلاط والحريري الذي يتهم رئيس الاشتراكي بالسعي للتسوية مع عون على حسابه، وانه سبق وأبدى رأياً أمام الفرنسيين والروس من بعدهم بأن الحريري قد لا يكون رجل المرحلة لتشكيل الحكومة وهو الذي لم تعجبه اندفاعة المصريين المبالغ فيها باتجاه تبني الحريري. لم يغفر الحريري لجنبلاط الذي بدوره يأخذ على الرئيس المكلف انه دائم الزعل ولا شيء يرضيه. ورغم ذلك لا يزال جنبلاط متمسكا بالحريري الى جانب رئيس مجلس النواب نبيه بري والذي لا يختلف وضعه مع الحريري عن جنبلاط ولو كان يستعين على ملاحظاته بحقه بالكتمان.
بينما كان الحريري يطلق مواقفه على الهواء مباشرة كانت عاصفة من الشجب والاستنكار تنهال على المحيطين به والمقربين اليه احتجاجا على لهجته “المهزومة”. بحسب مغالطيه ان الاطلالة لم تكن في مكانها كما المواقف، وفي نظر اخرين ان جنبلاط لم يتفوه بجديد بل قرأ وقائع لا يريد الاخرون الاعتراف بها.
تؤكد أوساط جنبلاط على حسن مقاصده والاهداف وأولها تحريك الجمود الحكومي. تحدث جنبلاط بلسان اللبنانيين طارحاً همومهم فيما لا باب اخر لمعالجتها الا عبر تشكيل الحكومة. يعتبر ان الازمة كبيرة فيما اسباب الخلاف ثانوية. يسلم بحقيقة ان عون باق حتى نهاية عهده مع استحالة دفعه الى الاستقالة بالمقابل فان الدستور يحفظ حق الحريري بالتكليف الى متى شاء ويصعب على عون سحب تكليفه فما العمل والطرفان معنيان مباشرة بتشكيل الحكومة؟ واذا كان الحل عبر لقاء الحريري وباسيل فلمَ لا يعقد لمصلحة البلد كمدخل للحل دون ان يفوته التأكيد ردا على سؤال”أنا مش مع الاثنين”.
لم يتفوه جنبلاط بما لا يعلمه الاخرون وهو أن السعودية لم تعد تولي أولوية للبنان وتحديداً للحريري بدليل ان سفيرها في لبنان وليد البخاري يتحين فرص غياب الحريري ليقيم نشاطاته تجنبا لدعوته. فحوى ما قاله جنبلاط للحريري بحسب بعض التفسيرات ان الكيل طفح ولمصلحتك يجب ان تتفق مع رئيس الجمهورية، من دون ان يسهى عن تذكيره بأنه سبق وشكل حكومة في عهد الرئيس اميل لحود بعد اغتيال والده فلمَ لا يريد تشكيلها مع عون؟
مشكلة جنبلاط مع الحريري أكبر من مشكلته مع عون وكان واضحاً وصريحاً بأن لا مودة متبادلة تجمعهما ومع ذلك فالتسوية معه لا بد منها لاستحالة ان تكمل البلاد في ظل الاوضاع الراهنة حتى نهاية العهد.
واضحة معاناة جنبلاط من عناد الحريري ومكابرته ورغم ذلك فهو لا يتقصد خصومته، واذا كان يطالب بالتسوية مع الخصم فكيف والحال معه. لكن غالبا ما يكون الحليف سبب خسارتك لا الخصم. ادلى جنبلاط بدلوه بقصد مساعدة الحريري على الخروج من الجمود وبعد ذلك فلم يعد لديه ما يفعله لاجله. فحوى الرسالة للحريري اما ان تضحي او يتم التضحية بك. وفي كلا الحالين اعلان لا يصب في مصلحة الحريري ومستقبله السياسي. تقرب من عون بالاصلاحات،هادن حزب الله بالسلاح، وفتح لبري بابا بأن يكونا معا في التسوية ونصحه عدم الدفع باتجاه الحريري للنهاية طالما الوقائع واضحة والتحولات جلية. وبذكائه قصد من جملة ما قصد أن يؤسس لمرحلة يكون فيها ابنه تيمور جزءا من المعادلة وليس خارجها.
نداء الوطن