انتخابات بعبدا: تمزق التيار والمعارضة تستبعد “الخط التاريخي”
رغم أن استطلاعات الرأي الجارية في لبنان، تشير إلى تبدل دائم في توجهات الناخبين، ولا تحسم من يمكن أن يكون الرابح والخاسر في الانتخابات، لكنها تظل تبين توجهات القوى السياسية في وضعها خياراتها واستبدالها وجوهها وتوجهاتها.
ضبابية إرادة التغيير
ففي دائرة بعبدا، أسوة بباقي الدوائر، ثمة رغبة لدى المستطلَعين في الاقتراع للتغيير. وتظهر الاستطلاعات أن الناخبين يريدون قوى التغيير، لكن إرادتهم تبقى ضبابية. وكشفت آخر الاستطلاعات أن تراجع التيار العوني بات كبيراً، ولا يستطيع منفرداً من الوصول إلى الحاصل الانتخابي، وبدون تحالفه مع الثنائي الشيعي يخسر مقعديه المارونيين. أما القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي فيتأرجح كل منهما منفرداً بين نقطة 0.9 والحصول على حاصل انتخابي ليس أكثر، لكل منهما.
حيال هذه الاستطلاعات تبرز حاجة القوات والاشتراكي لتحالفهما لتأمين المقعدين الحاليين. وتبرز حاجة العونيين للتحالف مع الثنائي الشيعي، للحفاظ على مقعد النائب ألان عون، الذي بات في دائرة الخطر، في حال لم تصطلح المشاكل الكثيرة التي افتعلها رئيس التيار جبران باسيل مع حركة أمل ورئيس المجلس النيابي نبيه بري.
عقاب شيعي ومعارضة موحدة؟
في ظل هذه الاستطلاعات، قد يكون المقعد الماروني الثاني من نصيب قوى المعارضة في الدائرة، وهو المقعد الذي يشغله حكمت ديب. وفي حال كان الامتعاض الشيعي كبيراً، وحصل سيناريو مقاطعة كبيرة أو التصويت العقابي ضد الثنائي والعونيين، تتمكن المعارضة من الفوز بمقعد آخر هو حكماً المقعد الشيعي الثاني في الدائرة. لكن هذا يظل رهن توحد أطياف المعارضة في لائحة واحدة، تستقطب وجوهاً معروفة في الدائرة، على خلاف انتخابات العام 2018 التي ترشحت فيها قوى المعارضة بلائحتين وضمت مرشحين نال عدد منهم أقل من مئة صوت تفضيلي.
ورغم التفاوض المباشر ومن تحت الطاولة بين قوى المعارضة كلها لتشكيل لائحة موحدة، ثمة سيناريو يعمل عليه البعض لتشكيل لائحة تركز على قوى ثلاث أساسية: الكتائب اللبنانية، الكتلة الوطنية، والمحامي واصف الحركة، ليصار إلى نسج تحالفات أخرى حولها. وهذا يؤدي إلى استبعاد مرشحي الخط التاريخي المعارض في التيار العوني. إذ يحكى عن إمكان ترشح رمزي كنج ونعيم عون في هذه الدائرة. علماً أن كنج نال أكثر من ثلاثة آلاف صوت شيعي على لائحة التيار العوني في انتخابات العام 2005، رغم تكليف حزب الله الشرعي لناخبيه بالتصويت للائحة التحالف الرباعي.
إرث العائلة العونية
أما نعيم عون، في حال استمر بترشحه، فهو عملياً يخوض الانتخابات ضد عمه رئيس الجمهورية ميشال عون وضد أبن عمته النائب ألان عون.
ومسيحياً بات الحديث متصلاً عن مرحلة ما بعد خروج ميشال عون من رئاسة الجمهورية، وعن مصير تياره في المعادلة الداخلية. وتضعضع التيار العوني في البيئة المسيحية بات أمراً واقعاً. فالأشخاص الذين آمنو بمبادئه خرجوا منه أو استبعدوا. واللذين انخرطوا في التيار لمصالح خاصة يعيدون حساباتهم في خضم مرحلة العقوبات الأميركية. وكبار الموظفين وصغارهم الذين وظّفهم التيار في إدارات الدولة باتوا في الحضيض، بعد الانهيار الاقتصادي والمالي. كما أن التيار “الإصلاحي ومطارد الفاسدين كلامياً”، لم يقدم على أي خطوة قبل انتفاضة 17 تشرين وبعدها.
الجميع بات مقتنعاً أن باسيل لا يستطيع قيادة التيار كما كان يفعل عون. وحتى الكوادر الأساسيين لن يكملوا الطريق كما فعلوا في ظل الجنرال. وهذا يعني عملياً انهيار الركائز التي قام عليها التيار: مبادئ المرحلة النضالية الأولى، والمصالح التي يتحكم فيها جبران في المرحلة الثانية الحالية. وحتى حزب الله بات محرجاً بباسيل، بعد تراجع التيار وخلافاته مع نبيه بري. وهذا يعني أن باسيل الذي بات بلا حلفاء بين المسيحيين والدروز والسنة، سيصل إلى مرحلة بلا حليفه الشيعي، الذي أغضب حلفاءه جميعاً بسبب جبران.
مأزق حزب الله الباسيلي
قد يضغط حزب الله على حلفائه ويكمل تبني باسيل الذي يخرج بكتلة نيابية صغيرة في هذه الانتخابات. وذلك لضرورات تفكير الحزب إياه في مرحلة ما بعد تمثيل التيار العوني الشارع المسيحي. لكن هذا لا يلغي أن طريقة تعامل باسيل مع حلفاء حزب الله وتراجع شعبية التيار، لن تحرجا الحزب إياه، والذي بات يحتاج إلى حلفاء في الشارع المسيحي، لملأ الفراغ الذي كان يملأه عون.
في العام 2018 كان عهد رئيس الجمهورية في بدايته، ما جعل حتى قدامى تياره يصبون أصوتهم للعهد، بمعزل عن خلافاتهم مع رئيس التيار جبران باسيل. لكن الوضع في الانتخابات المقبلة مختلف تماماً. فـ “الخط التاريخي” يعيش حال استنهاض لقواعده، وسيكون له مرشحين في دوائر مختلفة. فهل تشكيل المعارضة أكثر من لائحة في دائرة بعبدا يمكنها من الفوز في الانتخابات؟ وهل تتعظ قوى المعارضة من تجربة العام 2018؟ وباستبعادها “الخط التاريخي” هل تكسب الجمهور المسيحي الذي يريد معاقبة “تيار جبران”؟
المدن