جفافٌ انتخابي… والإقفال قد يكون حُجة للتّمديد
كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
لا مظاهر دعائية أو “استعراضية” تشي بأنّ البلاد على مشارف استحقاق داهم. في أبعد الاحتمالات القانونية، يفترض أن تفتح صناديق الاقتراع بعد خمسة أشهر، أي في أيار المقبل، طالما أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون حسمها بعدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة اذا تضمن يوم 27 آذار موعداً لاجراء الانتخابات. ومع ذلك، لا حملات انتخابية، لا صور لمرشحين، لا يافطات اعلانية للأحزاب والمجموعات المعارضة… جفاف انتخابي قلّ نظيره!
تتنافس القوى السياسية في دفاعها عن حتمية إجراء الانتخابات في مواعيدها الدستورية، لكنها جميعها تتلو “صلاة” إلغائها أو تأجيلها لأي سبب مقنع يحول دون انفجار البركان الشعبي أو سقوط “وابل” من العقوبات الأوروبية أو الأميركية فوق رؤوس طابخي سمّ التمديد، كما ينقل بعض المطلعين الذين يؤكدون أن بعض الدبلوماسيين الأجانب لا يترددون في التلويح بعصا العقوبات اذا ما قرر البرلمان اللبناني التمديد لنفسه متجاوزاً اختبار تداول السلطة.
وحده التشنّج السياسي هو الذي يزداد حماوة، ليكون بمثابة سلاح احتياطي يتمّ استخدامه في حال لم تنجح محاولات التمديد أو التأجيل، وانتقلت بالتالي، المواجهة إلى حلبات الملاكمة لتحصيل الأصوات التفضيلية وحجز الحواصل الانتخابية. وما يرفع من فرص التمديد هو خيار “اللاقرار” الذي رست عليه الاجتماعات السبعة التي عقدها المجلس الدستوري، مثبّتاً بذلك مشاركة أكثر من 220 ألف ناخب غير مقيم في الاستحقاق الداخلي، ليكونوا بمثابة “قنابل موقوتة” قد تنفجر في كل دائرة انتخابية، لا سيما المسيحية منها التي ستشهد قتالاً شرساً بين القوى المتخاصمة.
ويؤرق دخول هذا العامل على خطّ الدوائر الـ15، أذهان قيادة “التيار الوطني الحر” التي تعتبر نفسها أكثر المتضررين من مشاركة غير المقيمين، لسببين: الأول هو أنّ هؤلاء سيرفعون العتبة الانتخابية في كل دائرة وسيصعّبون بالتالي التحدي أمام “التيار” في تأمين الحاصل الانتخابي، والثاني هو أنّ المزاج المعارض يغلب على الشريحة الكبرى من غير المقيمين.. فيما أعداد الإصابات بكوفيد 19 تعود لترتفع من جديد خصوصاً مع توافد المغتربين الذين يحملون يومياً حوالى 100 إصابة إلى لبنان، بشكل ينذر بتكرار مشهدية انفلاش الفيروس على نحو كارثي، ليليه الاقفال العام، ما يعطي السلطة، عذراً سيكون أقبح من ذنب!
ولهذا، تبدو الانتخابات في مهبّ الريح، حتى لو أقدم وزير الداخلية بسام مولوي على تسطير مرسوم دعوة الهيئات الناخبة كما تنصّ المادة 42 من القانون رقم 8 الصادر بتاريخ 3/11/2021، القاضي بتعديل بعض مواد القانون رقم 44 تاريخ 17/6/2017 المتعلّق بانتخاب أعضاء مجلس النواب، والتي جاء فيها أنه “تُدعى الهيئات الناخبة بمرسومٍ ينشر في الجريدة الرسمية وتكون المهلة بين تاريخ نشر هذا المرسوم واجتماع الهيئات الناخبة تسعين يوماً على الاقل”.
وفق تلك التعديلات التي أقرها مجلس النواب، فقد أوصى الأخير بإجراء الانتخابات في 27 آذار، حسبما جاء في الأسباب الموجبة للقانون (“أثناء بحث هذه الاقتراحات في جلسة اللجان النيابية المشتركة المنعقدة بتاريخ 7/10/2021، ارتأت اللجان حصر النقاش في عدد من المواد، كما أوصت بالطلب من الحكومة اعتماد تاريخ 27 آذار 2022 موعداً لاجراء الانتخابات النيابية)، ما يعني أنّ مرسوم دعوة الهيئات الناخبة يفترض أن يكون منشوراً قبل 27 كانون الأول. وحتى الآن لم يخطّ مولوي هذا المرسوم انفاذاً لما سبق وقاله إنّ “رئيس الجمهورية ميشال عون موقفه حاسم، وأكّد له شخصياً أكثر من مرة أنّه لن يوقع على مرسوم دعوة الهيئات الناخبة إلى الاقتراع في شهر آذار”، موضحاً أن “مرسوم الدعوة للانتخابات لا بدّ أن يكون صادراً بتوقيع وزير الداخلية ورئيسي الحكومة والجمهورية، ومنشوراً بالجريدة الرسمية قبل 3 أشهر من الموعد المحدّد للانتخابات، وبالتالي لن تجرى الانتخابات في شهر آذار ما لم يوقع عون مرسوم الدعوة للانتخابات قبل 27 كانون الأول الحالي”.
وبالتالي، اذا كان من المفترض أن تحصل الانتخابات بداية شهر أيار المقبل، يعني أنّ المرسوم سينشر قبل بداية شهر شباط المقبل، أي قبل ثلاثة أشهر من موعد اجراء الانتخابات. ولهذا، يجري وزير الداخلية سلسلة لقاءات قبل أن يخرج المرسوم من مكتبه. وقد التقى لهذه الغاية كلّاً من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري للتفاهم معهما على موعد محدد. وفي هذا السياق، أفادت مصادر وزارة الداخلية، أنّ هناك توجهاً لدى مولوي لاعداد مشروع المرسوم فور انتهاء عيد الميلاد، أي مطلع الأسبوع المقبل، مضمّناً إياه موعداً يكون حكماً في أيار المقبل.
ومع ذلك، تبقى اشكاليتان ترتبطان بهيئة الإشراف على الانتخابات وبمرسوم نقل الاعتمادات وكلاهما يحتاجان إلى قرارات تصدر عن مجلس الوزراء… يبدو أنّه معلّق إلى أجل غير محدد!