عون وميقاتي في العبث الكامل.. بانتظار باسيل ونصرالله
لم تحقق المواقف التي أطلقها المسؤولون اللبنانيون أي خرق في جدار الأزمة. كل ناطق يحاول الاستثمار في ملء الفراغ. والرؤساء يتحدثون وكأنهم وصلوا لتوّهم من غربة طويلة. ولا بد من انتظار إطلالتين لكل من رئيس التيار العوني جبران باسيل، وأمين عام حزب الله حسن نصر الله. فلعلّ مواقف الرجلين تحمل مؤشرات علاقتهما في المرحلة المقبلة. فالوقت الحالي هو لاستدراج العروض ومحاولة ترتيب التفاهمات.
عون والعبثية السياسية
لكن لا بد من السؤال عما قاله رئيس الجمهورية. فهو كرر مواقفه المعتادة، واستحدث عبارة جديدة استخدمها صهره من قبل: اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة. أما حديثه عن الاستراتيجية الدفاعية فمكرر ومعاد. كذلك عن خطّة التعافي الاقتصادي التي لا يريدها إلا سياقاً جديداً للمعركة التي يخوضها ضد حاكم مصرف لبنان والمصارف، وسواهم في السلطة.
ومن الملاحظات أيضاً على كلام الرئيس أن حديثه عن الاستراتيجية الدفاعية جاء في خطاب قسمه سنة 2016. لكنه أعلن أمس أن مناقشتها تحتاج إلى جلسة حكومية. وهنا يبرز سؤال: لماذا لم تناقش تلك الاستراتيجية عندما كان الجميع في حال وئام بين العامين 2016 و2019؟ والجواب أن عون يستحضر على هواه ما يراه مناسباً من كلام، عندما تقتضي حاجته السياسية وفي لحظة خلافه مع طرف معين، ساعياً إلى استفزازه أو ابتزازه. وهذا لا ينطوي إلا على عبث سياسي محض.
وأكد عون التزامه بالميثاق أو بالدستور، في محاولة منه لتأكيد التزامه بالطائف. وهذا ينطوي على تناقض أيضاً مع سلوكه وممارساته، ومع طرحه الجديد المتعلق باللامركزية الإدارية والمالية الموسعة. وهذا يشير أيضاً إلى العبث إياه: التزامه بالدستور والمؤسسات ظرفي، ولا يعلنه إلا عندما تقتضي مصلحته السياسية الظرفية. أما حينما يتعارض الدستور مع مصالحه فيعمل على تعطيله، بل نسفه والبحث في تغييره أو تعديله.
والجملة الأساسية التي تنطوي على مخاطر جمّة في موقف عون هي دعوته إلى اللامركزية الإدارية والمالية الموسعة. وهي دعوة تشير إلى ما هو أبعد من الفيدرالية، وجعل المناطق أو المكونات اللبنانية في حال عزلة تامة، وبحث كل منها عن روافدها المالية الخاصة. ويتكامل هذا مع الخلافات المتفاقمة حول كل الملفات المتعلقة بشؤون الناس المعيشية: من قرض البنك الدولي، إلى البطاقة التمويلية وغيرها. ومثل هذه الممارسات تؤدي إلى توتير الجماعات اللبنانية وحقنها أكثر فأكثر، إلى حدّ قد ينذر بانفجار في الأسابيع أو الأشهر المقبلة.
سلاطين في الحكم والمعارضة
ينطوي كلام عون على مضامين خطيرة: تعويد اللبنانيين على فكرة الانحلال العام للدولة ومؤسساتها وسيرها نحو الانهيار الكامل. وعلى عادة أخرى احترفها سواه من أهل الحكم والسلطة في لبنان: استغراقه بالشكوى من الوضع القائم، كأنه أقل من نائب، وليس رئيساً منذ أكثر 5 سنوات.
ويتكامل هذا السلوك الرئاسي مع جملة مؤشرات: قرارات حاكم مصرف لبنان العشوائية، والتي تزيد من توسيع هامش السوق السوداء. ورد الفعل “الأهلي” المبرمج على زيارة أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى الجنوب، وعلى كلامه الواضح عن ضرورة تطبيق القرارات الدولية. وجاء الرد جنوباً باستهداف قوات الطوارئ الدولية. وهذا كله يشير إلى أن الدرب الذي يسير عليه البلد لا يقود إلا إلى جهنم، على خلاف محاولات البعض تلمّس شيئ من التفاؤل، بعد توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة لإجراء الانتخابات النيابية.
ميقاتي في سرب العبث
ولاقى الرئيس نجيب ميقاتي رئيس الجمهورية في منتصف الطريق بتحميله مسؤولية الوضع الراهن إلى آخرين. لقد سارع ميقاتي إلى تحرره من أثقال مسؤوليته كرئيس حكومة: اعتبر حزب الله حزباً سياسياً لبنانياً، نافياً النفوذ الإيراني في لبنان. وفي جملة أخرى دعا إلى أفضل العلاقات مع دول الخليج، وحمّل الثنائي الشيعي مسؤولية تعطيل الحكومة. وفي جملة ثالثة تعهد بعدم عقد جلسة لمجلس الوزراء طالما هناك فريق يقاطع جلساتها!
إنه اللاموقف واللاقرار، أو العبث السياسي إياه الذي يدخل لبنان في الشلل ويرميه على قارعة الدول الفاشلة. ويندرج في هذا السياق قرار ميقاتي الثابت بالإبقاء على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في منصبه، لا لشيء إلا لأن ذلك يخالف رغبة عون الذي يستعجل إقالة سلامة.
لبنان إذاً في اللاقرار واللاموقف، في لحظة تصعيد إقليمي تجاهه وحيال حزب الله. إذ لا يمكن فصل هذه التطورات الداخلية عن التطورات الخارجية البارزة والمتجلية في تصعيد السعودية ضد حزب الله في اليمن. وهذا يشير إلى أن كل محاولات التهدئة فاشلة، فيما التصعيد مشرع على الغارب.
المدن