سنة جديدة قاتمة: معارك وراثة العهد العوني واقتلاع خصومه
لبنان في مدار التحول الكبير. يدخل إلى سنة جديدة حافلة بالاستحقاقات والمحطات التي من شأنها أن تعكس تغيراً جوهرياً في بنية نظامه اقتصادياً وسياسياً.
وكان العام الفائت محطة تأسيسية لما سيأتي في العام الجديد: من التحضير للانتخابات النيابية والرئاسية، أو وضع التفاهم العريض حول ترسيم الحدود وما يرتبط به من تحولات استراتيجية جنوباً، وامتداد ذلك شمالاً برعاية روسية، إذ تبدو موسكو مهتمة بالعمل على ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا والاستثمار في عمليات التنقيب عن النفط شمالاً، ربطاً باستعداد شركة روسنفت لتأهيل خزانات النفط في طرابلس.
معضلات الحريري وباسيل
وفي السياسة الداخلية عام 2022 عام الانتخابات النيابية والرئاسية، والإهتمام ينصب على هذين الاستحقاقين، وبالتالي الحسابات محض انتخابية.
وانكسرت الجرّة نهائياً بين ركني تسوية 2016. لم يتمكن سعد الحريري من تشكيل حكومته، فاعتذر وغادر، فيما ينشغل جمهوره ونوابه ومسؤولو تياره بالقرار الذي يتخذه في شأن الانتخابات النيابية والمشاركة فيها أو عزوفه عنها.
وهذا جبران باسيل يقاتل في سبيل الحفاظ على موقعه، ولديه الكثير من الهموم الانتخابية: أولها أن يحسم أمر ترشحه في البترون، فيما مخاطر تهدد مقعده النيابي في حال لم توفر له التحالفات الحاصل الانتخابي لفوزه. فهو خسر التحالف مع كل من الحريري وميشال معوض، ولن يكون فوزه سهلاً.
مناكفات عون وميقاتي
ونجح نجيب ميقاتي في تشكيل الحكومة بدعم فرنسي واضح. ولم يكن ميشال عون يؤيد تكليف ميقاتي، لكنه رضخ في النهاية بعد فرضه جملة شروط على رئيس الحكومة. شروط تبددت مرحلياً بفعل عرقلة عمل الحكومة والتي يريد منها عون الضغط على خصومه قضائياً، وخصوصاً نبيه بري وسليمان فرنجية من بوابة التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت.
وشروط عون الأخرى تتعلق بسلسلة تعيينات شاملة في القطاعات والمواقع القضائية والأمنية والديبلوماسية والإدارية. وهناك معركة عون الكبيرة ضد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. لكنه يجد الحكومة مطواعة في يده، فيعبّر عن غضبه من ميقاتي، ويتهمه بالتهرب من عقد الجلسات الحكومية ليهرب الاستحقاقات كلها.
وعليه تبقى الحكومة أسيرة هذه الحسابات التي تستمر في السنة الجديدة. وتبقى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي شكلية في ظل استمرار الخلاف في الرؤى وحول الأرقام، بينما يفترض بعمل الحكومة أن ينحصر بالاهتمام في الانتخابات النيابية.
الترسيم والغاز والكهرباء
ملف ترسيم الحدود ينتقل من العام 2021 إلى 2022. وقد يفتتح العام بزيارة المبعوث الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين، لاستكمال المباحثات في ملف الترسيم وانجازه في مهلة وضعها هوكشتاين نفسه: نهاية شهر آذار. أي في الربع الأول من السنة.
وهذا الموعد المفترض هو المقدر لوصول الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان. وهما مساران مترابطان. وفي حال الاتفاق على الترسيم يصبح العمل باتفاقيات نقل الغاز والكهرباء عبر سوريا إلى لبنان، سهلاً ومتاحاً. ولدى الأميركيين موقف واضح من الترسيم: حصول لبنان على 860 كلم مربع، وإضافة بسيطة. لكن لبنان يطالب بالحفاظ على حقل قانا الذي يمتد أكثر من 860 كلم في عمق البحر. وثمة من يعتبر أن الاتفاق شبه منجز تقنياً، ولكنه ينتظر التوقيت السياسي لتوقيعه.
خيارات عون
ويُفتتح العام الجديد على طرح تقدم به رئيس الجمهورية، وقد يكون عنواناً سياسياً للمرحلة المقبلة: طاولة حوار تبحث في الاستراتيجية الدفاعية، وفي اعتماد اللامركزية المالية والإدارية الموسعة.
وهذا طرح ينطوي على تغيير بنيوي في النظام والصيغة اللبنانية. وطرح عون هذا يتوسله على مسافة أشهر من انتهاء ولايته، بهدف تحسين شروطه السياسية لتوفير ظروف ومقومات استمرار الوريث والحفاظ على مستقبله السياسي. ويتلخص موقف عون على النحو التالي: على الحلفاء والخصوم مماشاته في طروحاته وطموحات وريثه السياسي، أو يكون الجميع أمام البحث في صيغة جديدة للنظام.
وتحت هذا السقف يُطرح مصير الانتخابات النيابية والرئاسية، وفكرة التمديد للمجلس مقابل التمديد للرئيس. وهناك أيضاً المزيد من الحسابات السياسية التي يخوض عون معاركها بلا قفازات. فهو يرفض مطلقاً المغادرة ليبقى من أراد اقتلاعهم في مواقعهم.
ماذا تريد السعودية؟
وشهد العام 2021 إحدى أكبر الأزمات اللبنانية في العلاقات الدولية والعربية. فانقطعت العلاقات الديبلوماسية مع دول الخليج، ولا تزال مقطوعة، على وقع التصعيد الحاصل في المنطقة.
وثمة شروط سعودية واضحة تريد الرياض من اللبنانيين الالتزام بها، وهي في جملتها تحت عنوان: استعادة التوازن السياسي في لبنان. وهذا يبعث المزيد من المعارك السياسية، من الآن حتى موعد الانتخابات وما يليها.
ونظراً إلى الوقائع والشواهد القائمة، لا بد من توقع أشهر قاتمة تستهلها سنة 2022، ربطاً بالتصعيد السياسي المنتظر في الداخل والخارج
المدن