مصافحة بايدن وبن سلمان المنتظرة: فتّش عن النفط
كتب الدكتور ياسر غازي في إيكو وطن
تكشف زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسعودية منتصف تموز (يوليو) الحالي، الندوب الهائلة التي أصابت العلاقات الأميركية- السعودية، المتراكمة منذ عقدين ونيف وحتى يومنا، في سابقة لم تشهدها العلاقات الثنائية التي أسّس لها “تفاهم كوينسي” عام 1945 بين زعيمي البلدين الملك عبد العزيز آل سعود والرئيس فرنكلين روزفلت.
وليس أدلّ على مستوى التأزم في العلاقات بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية وطبيعته، من العبارة الواردة في تقرير مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك للسفير الأميركي السابق مارتن إنديك، والباحث ستيفن كوك، والتي تقول: “ماذا تفعل مع زعيمٍ عربيٍّ غنيٍّ بالنفط لا يمكنك التعايش معه ولكن لا يُمكنك العيش بدونه أيضاً؟ هذه هي المعضلة التي يواجهها الرئيس جو بايدن مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان”.
إلا أن تدهور العلاقات الثنائية غير مرتبط حصراً بالإدارة الأميركية الراهنة ولا بالكيمياء الشخصية بين الرجلين، إنما بدأ مع حقبة جورج دبليو بوش وعقيدته التي طبقها في سياسته الخارجية، لا سيما في الشرق الأوسط، غداة تفجيرات 11 أيلول 2001 تحت عنوان “مكافحة الإرهاب”.
قال بوش في خطابه للشعب الأميركي بعد عشرة أيام على أحداث 11 سبتمبر، “على الولايات المتحدة أن تكشف خلايا الإرهاب في ستين دولةً أو أكثر”. لكنه سرعان ما ترجم تهديداته العملية ضد دولتين دون سواهما، أفغانستان 2001 ثم ضد العراق 2003، بينما ظلت جبهة إيران هادئة، بالرغم من شمولها في خطاب بوش حول “الدول المارقة”. هكذا بدا المشهد للجيران في الخليج العربي، “استهداف أميركي لدول السُنّة ورموزها، بمعزل عن قرب هؤلاء من دول الخليج أو بعدهم السياسي عنها، وهنا لا بد فتح هلالين على “أن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري – حليف السعودية والخليج- في بيروت عام 2005 وإن كان خارج القرار الأميركي إلا أنه أتى اتّساقاً مع جوهر عقيدة بوش واستهدافاتها الواضحة للعيان.
كما لا يمكن استثناء اغتيال رمز الثورة الفلسطينية ياسر عرفات عام 2004 في ظروف غامضة، وافتعال الاضطرابات في باكستان، بعيداً من فلك عقيدة بوش والسياسات الأميركية تجاه المنطقة.
إدارة الرئيس باراك أوباما لم تكن أقل استهدافاً من سابقتها للدور العربي عموماً والخليجي بصورة خاصة، من إخفاقها بالدفاع عن شعار أوباما “حل الدولتين” في فلسطين، مروراً بمواقفها الملتبسة إزاء الربيع العربي، ومنها الانفتاح على “الإخوان المسلمين”، إلى تمنّعها عن تزويد المعارضة السورية المدعومة سعودياً بسلاح نوعيّ وتخلّيها عن الخطوط الحمر التي رسمها أوباما للرئيس السوري، ما فُهم سعودياً على أنه موافقة ضمنية أميركية على بقاء الأسد في الحكم وتمهيد لتمرير صفقة النووي مع إيران عام 2015.
والطامة الكبرى كانت بتوقيع أوباما الاتفاق النووي مع إيران بمعزل عمّن يُفترض أنهم شركاء أميركا في المنطقة أي السعودية ودول الخليج العربي، من هنا يأتي سعي هذه الدول مع إدارة دونالد ترامب لاحقاً لإسقاط الاتفاق بل أكثر من ذلك فهي أي دول الخليج فرضت نفسها شريكاً فعالاً في مباحثات فيينا الأخيرة للحؤول دون تكرار تجربة 2015 النووية مع إدارة بايدن.
وقبيل نهاية ولاية أوباما أصدر الكونغرس الأميركي قانون “العدالة ضد رعاة الإرهاب” الذي بات يُعرف اختصاراً باسم “جاستا JASTA” عام 2016. الذي فتح الباب على استهداف السعودية سياسياً على خلفية تفجيرات 11 سبتمبر.
رغم قول دونالد ترامب في أيار (مايو) 2017 إن زياته للسعودية هي محطة مفصلية لإدارته للإطلالة على العالم، لكن سياسة الابتزاز السياسي والمالي على قاعدة “إدفعوا لنحميكم” التي مارسها ترامب مع الرياض أضرّت بالعلاقات كثيراً، وهي كذلك أضرت بترامب نفسه انتخابياً في ضوء انهيار أسعار النفط وانعكاس ذلك على معالجة مشاكله الداخلية.
إبحث عن النفط
وفق الكاتب الأميركي توماس بارنيت فإن المفهوم الرسمي الأميركي لمعادلة العولمة يقول بـ”تصدير الأمن واستيراد المواد الاستهلاكية”، فإذا بالولايات المتحدة تستورد من أرض المسلمين النفط مقابل تصدير الحروب إلى تلك المنطقة”. معادلة رفض الخليجيون المضيّ بها فكان التوجه السعودي نحو روسيا والصين على حساب أميركا.
اليوم يعود بايدن إلى بن سلمان في خطوةٍ تذكّر بعودة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون إلى الملك فيصل بن عبد العزيز إثر قرار الأخير قطع النفط عن الغرب الداعم لإسرائيل عام 1973.
فبعد أن عقد العزم (مرشحاً) على إعادة إدخال القيم في السياسة الخارجية الأميركية ودعم القادة الديموقراطيين بدلًا من المُستَبدّين، معلناً أنه سيعامل السعودية كدولةٍ “منبوذة” ومسجلاً مآخذ كثيرة على أداء بن سلمان في الحكم، ورغم قول البيت الأبيض إن وجهة نظر بايدن لم تتغير، وتأكيد الأخير أنه لن يناقش ملف النفط في زيارته، أصبحت رغبة واشنطن في تحسين العلاقات مع دول الخليج العربية أكثر إلحاحاً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، الآن أسعار الغاز ترتفع، الأمر الذي يؤجّجُ التضخّم ويؤدي إلى انخفاضِ أرقام استطلاعات الرأي لصالح بايدن ويُهدّدُ وصول المرشّحين الديموقراطيين في انتخابات التجديد النصفية. أمام هذه الضغوط يبدو أن مفتاح عكس هذه الديناميكية يكمن في يد محمد بن سلمان، لأن بلاده هي المنتج الوحيد للنفط التي تتمتع بقدرة فائضة كافية لتهدئة أسواق الطاقة.
تعي واشنطن جيداً أن أولويات بن سلمان في هذه المرحلة الحصول على رادعٍ جدّي ضد طموحات إيران النووية والإقليمية ووسائل أكثر فاعلية للسعودية للدفاع عن نفسها ضد هجمات الصواريخ والطائرات المُسَيَّرة التي تتعرض لها منشآتها الحيوية من حلفاء إيران. كما تحتاج المملكة لمساعدة واشنطن لإنهاء الحرب في اليمن أو الخروج السعودي أحادي الجانب منها.
في المقابل، سيكون على المملكة تقديم التزامٍ رسمي مفتوح أكثر لاستخدام فائض إنتاجها من النفط لتحقيق الاستقرار في أسعار النفط، وإنهاء اتفاقية حصة الإنتاج مع روسيا، والتي تُقيِّد كمية النفط السعودي للسوق، وإمداد أوروبا بديلاً من صادرات النفط الروسية، ستمثل مثل هذه الإجراءات مساهمة إستراتيجية في فعالية العقوبات ضد روسيا، وتحسين مكانة محمد بن سلمان في واشنطن.
بالنسبة إلى عملية التطبيع مع إسرائيل، وما حكي عن استعداد سعودي له يمكن لواشنطن تشجيع إسرائيل على اتخاذ خطوات متبادلة تجاه الفلسطينيين، مثل تجميد النشاط الاستيطاني خارج الحاجز الأمني الإسرائيلي والتنازل عن المزيد من أراضي الضفة الغربية للسيطرة الفلسطينية، بما يتناسب مع مخرجات المبادرة السعودية –العربية للسلام لعام 2002 في قمة بيروت.
وعشية الرحلة إلى السعودية، ينصح مارتن إندك- الخبير بشؤون المنطقة- الرئيسَ الأميركي فيقول “هذه هي اللحظة المناسبة لبايدن ليحقق نجاحاً كبيراً في علاقته مع المملكة العربية السعودية، أو الأفضل له عدم الزيارة والبقاء في البيت الأبيض”.