مراسيم الحكومة تظلم الأساتذة والدول المانحة تمتحن “التربية”
بمعزل عن أن مشروع مرسوم دعم موظفي القطاع العام ببدلات إنتاجية استثنى أساتذة التعليم الرسمي والمهني، إلا أن الاجحاف لحق التعليم المهني أكثر من باقي القطاعات. فطالما كان هذا القطاع مهمشاً وأتت مراسيم الحكومة لتتجاهله من المعادلة، ولم يتم ذكر اساتذته من ضمن عداد الموظفين، كمثل أساتذة التعليم الرسمي.
لكن بخلاف أساتذة التعليم الرسمي، الذين يحصلون على بدل انتاجية من وزارة التربية، فقد سبق واتفقت وزارة التربية مع الدول المانحة لتمويل بدل الإنتاجية لتسيير العام الدراسي، واستثنت التعليم المهني وأساتذة الجامعة اللبنانية.
حلول مؤقتة للتعليم المهني
حيال عجز الوزارة عن تمويل بدل الإنتاجية لأساتذة الجامعة لحظ المرسوم الذي قد يقر في جلسة الحكومة، يوم الاثنين المقبل، أساتذة الجامعة. لكنه سها عن ذكر أساتذة التعليم المهني. أما الحلول التي بدأتها وزارة التربية عبر دفع بدل إنتاجية لأساتذة المهني من سلفة الـ1050 مليار ليرة، فهي مؤقتة. وثمة عقبات كبيرة أمام الوزارة في تلبية بدلات الإنتاجية لجميع الأساتذة من السلفة. وسبق وعرضت “المدن” مشكلة حسابات بدل الإنتاجية، التي تتعلق بتغير سعر صرف منصة صيرفة، التي كانت محددة بـ43 ألف ليرة، عند وضع الحسابات، وعاد وارتفع سعر المنصة إلى نحو تسعين ألف ليرة.
ليس هذا فحسب، بل وفق مصادر متابعة، تبين وجود اختلاف في حسابات الوزارة في تحديد بدل الانتاجية. ففي الدفعة الأولى التي تمت مؤخراً لهذا البدل، تبين أن الفرق بين حسابات الوزارة والمبلغ المطلوب للتمويل هو مليوني دولار. ففي حسابات وحدة المعلوماتية في الوزارة كان المبلغ المطلوب لتمويل الانتاجية هو سبعة ملايين دولار، وتبين أن الحاجة هي لتسعة ملايين دولار. والسبب هو استبعاد مديريات الوزارة من لجنة تحديد بدلات الانتاجية، علماً أنه يقع على عاتق المديريات إجراء حساب بدل الانتاجية من خلال المناطق التربوية.
في المقابل تقول مصادر أخرى أن الفرق في الحسابات لم يتخط المئتي دولار، وأن التصويب على اللجنة مرده إلى عدم وجود وظيفة للمديريات في شأن الحوافز. وبالتالي يريد البعض إقحام نفسه في أمور ليست من وظيفته.
رقابة صارمة على التربية
دفعت الدول المانحة حصتها في بدل الإنتاجية للأشهر الثلاثة المنصرمة، وهي من بقايا أموال مشاريع مع البنك الدولي، ومنحة بسبعة ملايين دولار من الاتحاد الأوروبي لوزارة التربية. أما تأخر وصول بدل الانتاجية للأساتذة فمرده إلى الأخطاء الكثيرة في البيانات. لكن المشكلة التي ستقع بها الوزارة، هي عند بدء دفع بدل الإنتاجية مطلع نيسان المقبل من سلفة الـ1050 مليار. فأي تخلف في دفع الحكومة حصتها من بدلات الإنتاجية يعني تراجع الدول المانحة عن دفع حصتها، تقول مصادر متابعة.
أما الحلول المعروضة فهي استمرار وزارة التربية في صرف سلفة الخزينة على السعر الذي يحدده مصرف لبنان، وعندما تنتهي أموال السلفة على الحكومة تحمل المسؤولية في مساواة الأساتذة بموظفي القطاع العام ودفع بدل انتاجية بالليرة اللبنانية.
بعض الجهات التي ألتقت مؤخراً مع وفد من البنك الدولي لبحث القضايا التربوية أكدت لـ”المدن” أن الجهات المانحة تتشدد كثيراً في الرقابة على وزارة التربية. فالبنك الدولي والحكومة البريطانية واليونيسف (الجهات المانحة لبدل الانتاجية) شاركت في دفع حصة من بدل الإنتاجية، للمرة الأولى ولمرة واحدة فقط لا غير، طالما أن رواتب الموظفين تقع على عاتق الدولة اللبنانية. لكنها اشترطت وضع وزارة التربية خطة للتعليم مستدامة وتطبيقها. كما اشترطت تسيير العام الدراسي الحالي. وهددت الجهات المانحة بأنها لن تساهم في تمويل أي مشروع لوزارة التربية في حال الفشل بانتظام العام الدراسي، وبأنها ستذهب إلى خيارات أخرى وإيجاد بدائل عن وزارة التربية، من خلال تمويل جهات غير حكومية لتعليم الطلاب.
تضيف المصادر أن الجهات المانحة تقوم بالتدقيق بحوافز العام المنصرم ومنحة الـ37 مليون دولار التي أنفقتها الوزارة حينها. كما تدقق بالحوافز الحالية، من خلال شركة تدقيق مستقلة، ومن خلال التواصل المباشر مع أساتذة لمعرفة كيفية إنفاق الأموال ومدى وصولها إلى المستحقين. وقد سبق وأكدت الجهات المانحة أن مساهمتها بدفع بدل الإنتاجية مشروطة بدعم أساتذة التعليم الرسمي حصراً.
فشل الرهان على الروابط
ووفق مصادر متابعة، فإن تخوف الدول المانحة من عدم قدرة الوزارة على تسيير العام الدراسي في ظل إضراب الأساتذة، جعلها تقدم على دفع بدل إنتاجية لمرة واحدة. وقد تعهدت الوزارة بأن دفع الحوافز ينهي الإضراب. وبالتالي خوف الوزارة من عدم الحصول على التمويل، دفعها إلى الضغط على روابط المعلمين لفك الإضراب. وقد نجحت ضغوط الوزارة على روابط المعلمين، لكنها اكتشفت أن الأخيرة لا تسطير على حركة احتجاج الأساتذة. فما هو حاصل فعلياً أن الأساتذة مضربون عن العمل من دون وجود أطر تنظيمية تدفعهم إلى ذلك، بل ينطلقون من معاناتهم ومن حقهم في راتب يؤمن لهم العيش الكريم.
خافت وزارة التربية على نفسها وأخافت المدراء من أن تسرب الطلاب إلى التعليم الخاص سيعني إقفال مدارسهم وثانوياتهم، وقدمت لهم حوافز بـ150 دولاراً إضافية عن الأساتذة، وراح العديد منهم يضغط على الأساتذة. لكن لم تنفع تلك الضغوط واستمر التعليم الثانوي معطلاً. وأمام فشل الوزارة في دفع بدلات الإنتاجية السابقة، التي لم تصل إلى الأساتذة بموعدها، وفي ظل عدم وجود ضمانة في نجاحها بدفع بدلات الإنتاجية للأشهر المقبلة، سيعود القطاع التربوي ويتعطل من جديد.
مراسيم تظلم الأساتذة
المسؤولون في وزارة التربية يدفنون رأسهم بالرمال من خلال رفع تقارير عن انتظام العام الدراسي بنسبة تفوق الثمانين بالمئة، فيما الواقع على الأرض مختلف تماماً. وسرعان ما ستكتشف الدول المانحة بأن الوزارة فشلت بالمهمة. فالوقائع على الأرض في ظل اشتداد الأزمة المالية تعاند الوزارة. وبمعزل عن وجود رفض عارم في صفوف الأساتذة لبدلات الإنتاجية، أتت الأخطاء التي حصلت في دفعها لتعمق عدم ثقة الأساتذة بالوزارة. أما الطامة الكبرى فتكمن بما تم تسريبه عن مشروعي المرسومين حول بدل الإنتاجية وبدل النقل المعروضين على جلسة مجلس الوزراء المقبلة، لحل مشكلة إضراب موظفي القطاع العام.
بعد تسريب مسودة المرسومين قامت قائمة أساتذة التعليم الرسمي. فمشروع مرسوم بدل الإنتاجية المطروح على جلسة مجلس الوزراء يظلم أساتذة التعليم الرسمي لأنهم مستثنون منه. ليس هذا فحسب، بل إن بدل الإنتاجية التي خصصتها وزارة التربية للأساتذة تقتصر على 125 دولاراً بالشهر ولأربعة أشهر فقط لا غير، بينما بدلات الإنتاجية المطروحة لموظفي القطاع العام فأعلى بكثير. فأستاذ الثانوي مثلا، هو في الفئة الوظيفية الثالثة، يتقاضى 125 دولاراً ولأربعة أشهر، بينما موظف الإدارة من الفئة الثالثة سيتقاضى 200 دولار شهرياً، في حال أقر المرسوم. وهذا يسري على باقي الفئات الوظيفية. علماً أن موظفي الإدارة رفضوا مشروع المرسومين حتى قبل إقرارهما.
المدن