تفاؤل لبناني بـ”الحركة” القطرية: تسرِّع انتخاب رئيس بضمانات استراتيجية
أصبح رسم صورة عامة وواضحة للسياسة اللبنانية أمراً معقداً، إلى درجة تشبه بحدودها البعيدة آلية حياكة السجاد الإيرانية، والتي يحتاج حبك كل عقدة فيها إلى وقت وجهد وتركيز. تتداخل المواقف وتتشابك المواقع بين الداخل والخارج. هناك خطوط عامة، ونقاط تفصيلية أكثر، يمكنها أن تُغرق أي مراقب في الكثير من المياه الراكدة أو المتحركة.
في محاولة لرسم الصورة بشكل واضح، لا بد من الانطلاق مما قد ترسمه زيارة الوفد القطري إلى بيروت، برئاسة وزير الدولة بوزارة الخارجية، محمد بن عبد العزيز الخليفي. وهي زيارة شملت لقاءات مع غالبية القوى السياسية.
بداية، تأتي الزيارة بعد زيارة سليمان فرنجية إلى باريس، ولقائه بالمستشار الرئاسي باتريك دوريل. عملياً، كان الهدف منها تقديم فرنجية لضمانات طلبها الفرنسيون لتسليمها إلى السعوديين، في محاولة من باريس لتسهيل قبول طرحها، الذي أصبح معروفاً بانتخاب فرنجية رئيساً للجمهورية مقابل نواف سلام لرئاسة الحكومة.
حزب الله وطهران
عاد فرنجية من باريس مرتاحاً إلى أجواء الزيارة، مثبتاً نفسه على خطّ الترشيح المستمر، ومعتبراً أنه حقق خطوة إلى الأمام. إذ أن المطالبة الفرنسية بضمانات تعني فتح الباب أمام المزيد من التفاوض والتشاور. يعلم الفرنسيون والسعوديون وكل الأفرقاء بأن هذه الضمانات لا يمكن لأي طرف توفيرها والالتزام بها سوى حزب الله بشكل مباشر، ومن خلفه إيران. لدى طهران أجواء إيجابية أيضاً حيال الاتفاق مع السعودية، وسط تأكيدات لمسؤولين إيرانيين بأنهم يعولون على إيجابية هذا الاتفاق وتطويره، للوصول إلى نتائج سريعة وإرساء الاستقرار في العلاقات بين الطرفين، وانعكاس ذلك على وضع المنطقة ككل. لدى سؤال المسؤولين الإيرانيين عن الشأن اللبناني يؤكدون بأنه لا بد أن يتأثر إيجاباً، ولكنهم يرفضون الدخول في التفاصيل وخصوصاً ما يتعلق بالموقف من رئاسة الجمهورية أو الأسماء، ويقولون سريعاً: “الأمر في عهدة حلفائنا الذين يقررون بمثل هذه الملفات ونحن لا نتدخل”. لكن الملف اللبناني سيكون حاضراً أيضاً في لقاء وزيري خارجية إيران والسعودية، كما كان حاضراً خلال اللقاء بين وزير خارجية إيران ووزير الدولة في وزارة الخارجية القطرية محمد بن عبد العزيز الخليفي الأسبوع القائت خلال زيارته طهران.
الدور القطري
تأتي زيارة الوفد القطري في ظل هذه التطورات. وهنا تضعها مصادر سياسية متابعة، بأنها خطوة ليست تفصيلية ولا بسيطة. فأولاً، رئيس الوفد هو وزير في وزارة الخارجية، وبالتالي المستوى عال. وثانياً، هو الذي تابع مع الدول الخمس تفاصيل الملف اللبناني، وجاء متسلحاً أيضاً بزيارته إلى إيران. وهذا يدفع زيارته إلى الارتقاء نحو محطة التفويض الذي تحظى به قطر من قبل دول عديدة، نظراً لقدرتها على التواصل مع الجميع.
الحركة القطرية على الساحة اللبنانية، تتكامل مع الحركة السعودية، ومن شأنها أن تكون قادرة على مساندتها وتدعيمها، سواء في مسألة المطالب الواضحة بالإصلاح السياسي والاقتصادي، أو في ما يتعلق بالمواصفات، بالإضافة إلى قدرة قطر على التواصل مع كل القوى لا سيما الذين لا تواصل بينهم وبين الرياض.
ضمانات استراتيجية
تندرج الزيارة أيضاً، في خانة التأكد من الضمانات التي يتم تقديمها. وانطلاقاً من قدرة قطر على التواصل مع الجميع، فهي الوحيدة القادرة على المتابعة بجدية لمسار الضمانات التي قدمها فرنجية، ومدى التزام حزب الله وإيران بها، بالإضافة إلى الأفرقاء الآخرين. وهذه الضمانات يفترض بها أن تكون منفصلة عن الشخص الذي سيتولى رئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة. علماً أنها ذات بعد استراتيجي، ترتبط بضبط الحدود والبحث في الاستراتيجية الدفاعية، وضمان تسهيل الحكومة وتفعيل عملها. وهذه الضمانات كلها تسعى قطر إلى التأكد من مدى الإلتزام بها. في هذا السياق، بدا الرئيس نبيه برّي متفائلاً بهذه الزيارة، وما يمكن أن تعكسه. فأولاً، حسب ما يعتبر رئيس المجلس، تأتي الزيارة تحت سقف الاتفاق الإيراني السعودي. وثانياً، تعكس مدى استمرار الاهتمام الخارجي بلبنان. وثالثاً، هي تؤكد السعي في سبيل مساعدة لبنان على انتخاب رئيس. من هنا، يقول برّي إن الجو الخارجي أفضل من الجو الداخلي، والحركة القطرية ستقود إلى انتخاب رئيس، من دون الدخول في الأسماء وفي التفاصيل.
بالنسبة إلى برّي وحزب الله، فإن فرنجية ذهب إلى باريس لتقديم الضمانات، فيما تم تسليف السعودية نقطة أساسية تتعلق بإغلاق مكاتب القنوات الإعلامية التابعة للحوثيين في بيروت، كإشعار حسن نية. ومن جهة أخرى، هناك استعداد للبحث في المرحلة المقبلة بكيفية وقف حزب الله لتدخله في شؤون الدول العربية، ولا سيما اليمن والعراق. أما الملف السوري، فسيبقى أكثر تعقيداً ويحتاج إلى وقت أطول. على أن تستمر فترة اختبار تقديم الضمانات والإلتزام بها في المرحلة المقبلة.
الاعتراض المسيحي
وهذا بالتحديد يعوّل عليه برّي أيضاً، الذي يشير إلى أن الحركة القطرية سيكون لها آثار إيجابية في المرحلة المقبلة. يقدّم برّي نفسه كأحد أبرز الملتزمين باتفاق الطائف. وهو يقول للجميع إن المرشح الذي يدعمه -أي سليمان فرنجية- هو ملتزم بالطائف أيضاً، وهو ليس طائفياً ولا انعزالياً، لا بل منفتح وطنياً وعربياً. يتقصد برّي تمرير هذا الموقف للتصويب على بعض القوى المسيحية التي تخاصمه، وتارة تهدد بالطلاق وطوراً تلوح بالذهاب إلى خيار الانفصال، وكلاهما يتعارضان مع الطائف. ويعطي برّي في كل لقاءاته دلائل على ذلك كمثل الحالة التصعيدية والتعصبية التي نشأت على خلفية تأجيل تقديم الساعة أو غيرها من المحطات.
في المقابل، وعلى الضفة الأخرى للوحة التي تدور محاولات لرسمها، تبرز مواقف القوى المسيحية المعارضة لخيار فرنجية بقوة، لا سيما أن مثل هذه المواقف تتصعد أكثر فأكثر، وسط الاستعداد المسيحي للذهاب إلى خلوة بيت عنيا يوم الأربعاء المقبل، على وقع تواصل بين القوى المختلفة في سبيل الاجتماع على رفض فرنجية، وتلمّس محاولات للاتفاق على مرشح آخر، علماً أن هذا لا يزال صعباً. ولكن من شأن هذه المواقف أن تشكل عنصراً صلباً مقابلاً لصلابة الثنائي الشيعي، ورداً على كل الضمانات التي يتم تقديمها، خصوصاً أن هذه المواقف التصعيدية تشير إلى أنه في حال نجح الثنائي الشيعي بإيصال مرشحه للرئاسة، فإن قوى مسيحية عديدة ستجد نفسها مضطرة للذهاب إلى خيارات أخرى. يندرج هذا التصعيد في خانة تفعيل الديناميكية الداخلية المعطلة لمثل هذه التسوية، على قاعدة أنه لا يمكن إنتاجها من دون رضى المسيحيين.
المدن