هجوم الأسد على درعا يُهجّر أكثر من 270 ألف مدني
دفع التصعيد العسكري الذي تقوم به في جنوب سوريا قوات رئيس النظام السوري بشار الأسد تساندها من الجو المقاتلات الروسية، أكثر من 270 ألف مدني إلى النزوح وفق الأمم المتحدة. ويواجه هؤلاء النازحون جنوب البلاد أوضاعاً صعبة جداً حيث يبيتون في العراء في أجواء شديدة الحرارة ومن دون أي مساعدات دولية أو إنسانية.
ومنذ بدء قوات النظام عملياتها العسكرية بدعم روسي ضد الفصائل المُعارضة في محافظة درعا في التاسع عشر من حزيران الماضي، اضطر عشرات الآلاف من المدنيين إلى النزوح هرباً من القصف الجوي بالصواريخ والبراميل المتفجرة ومن المعارك التي أودت بالمئات بين قتيل وجريح.
وقال الناطق باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأردن محمد الحواري إن عدد النازحين من درعا «تجاوز 270 ألفاً في وقت قياسي»، مضيفاً «نحن أمام أزمة إنسانية حقيقية في جنوب سوريا».
وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، توجه سبعون ألفاً منهم إلى الحدود مع الأردن، حيث يقيم معظمهم في أراضٍ قاحلة ومن دون تلقي أي مساعدات إنسانية.
ومنذ بدء التصعيد، أبقى الأردن المجاور حدوده مغلقة خشية تدفق المزيد من اللاجئين إلى أراضيه.
وشاهد مصور «فرانس برس» قرب بلدة نصيب الحدودية مع الأردن عشرات العائلات التي تقيم داخل سيارات أو شاحنات تبريد أو نقل أو داخل خيم نصبوها خالية إلا من الفرش والبطانيات.
ويبحث نساء وأطفال عما يحتمون به من أشعة الشمس الحارقة في هذه الأرض الجرداء. وتمكن من حالفهم الحظ من إحضار فرش وأغطية معهم حملوها على متن سياراتهم وحتى دراجاتهم النارية المتوقفة قرب الخيم.
لم تتخيل آمنة الخزاعلة (48 عاماً) وهي أردنية ارتبطت قبل سنوات بزوجها السوري المتحدر من درعا، أن تجد نفسها يوماً ما ممنوعة من الدخول إلى بلدها الأم. وتقول السيدة المتشحة بالسواد حزناً على ابنها الذي قتل قبل أيام جراء الهجوم «نبحث عن الطعام من دون جدوى، نأكل الخبز اليابس». وهي تناشد السلطات الأردنية فتح الحدود أمامها، مضيفة «لم يعد لدينا منزل يؤوينا.. نفترش التراب».
وتوجهت عائلات أخرى إلى محافظة القنيطرة الحدودية المجاورة لإسرائيل. وتكتسب المنطقة الجنوبية خصوصيتها من موقعها الجغرافي قرب الأردن وإسرائيل عدا عن قربها من دمشق.
وبعد سيطرتها على الغوطة الشرقية قرب دمشق ومن ثم أحياء في جنوب العاصمة، وضعت قوات النظام استعادة المنطقة الجنوبية على رأس أولوياتها. وبدأت منذ أسبوعين عمليات قصف عنيفة على ريف درعا الشرقي قبل أن تدخل في معارك مع الفصائل على جبهات عدة في المحافظة. وانضمت روسيا بعد أسبوع تقريباً إلى حملة القصف الجوي.
ومنذ تلك الفترة، تمكنت قوات النظام من مضاعفة مساحة سيطرتها لتصبح ستين في المئة من مساحة محافظة درعا، بعد أن سيطرت على عشرات القرى والبلدات عبر هجمات عسكرية أو اتفاقات «مصالحة» عقدتها روسيا مع الفصائل ووجهاء محليين بشكل منفصل في كل بلدة.
وتثير الاتفاقات التي تقترحها روسيا انقساماً في صفوف وفد مفاوضي المعارضة المؤلف من ممثلين عن الفصائل والهيئات المدنية.
وأعلن المفاوضون المدنيون انسحابهم من وفد المعارضة. وقالوا في بيان موقع باسم المحامي عدنان المسالمة «لم نحضر المفاوضات اليوم ولم نكن طرفاً في أي اتفاق حصل ولن نكون أبداً».
وجاء في البيان «لقد عمل البعض على استثمار صدق وشجاعة الثوّار الأحرار من أجل تحقيق مصالح شخصيّة ضيّقة أو بأفضل الشروط من أجل تحقيق مصالح آنيّة مناطقية تافهة على حساب الدم السوري».
وأشار مدير المرصد رامي عبد الرحمن إلى «انقسام في الآراء داخل الفصائل بين موافقة وأخرى رافضة للاتفاق» مع الجانب الروسي.
ويتضمن الاقتراح الذي تعرضه روسيا على ممثلي المعارضة، وفق ما أكد عبد الرحمن وناشطون محليون معارضون، تسليم الفصائل سلاحها الثقيل والمتوسط، مع عودة المؤسسات الرسمية ورفع العلم السوري وسيطرة قوات النظام على معبر نصيب مع الأردن المجاور وانتشارها على طول الحدود. كما ينص الاتفاق وفق المصادر ذاتها على تسوية أوضاع المنشقين والمتخلفين عن الخدمة العسكرية الإلزامية خلال 6 أشهر، مع انتشار شرطة روسية في بعض البلدات.
وخلال اليومين الأخيرين، انضمت 13 بلدة على الأقل في درعا إلى اتفاقات «المصالحة»، آخرها مدينة بصرى الشام التي كانت تحت سيطرة فصيل معارض بارز هو فصيل «شباب السنة». وطالت اتهامات بـ«الخيانة» قائده أحمد العودة من جراء قراره هذا.
وقال مصدر سوري معارض مواكب للمفاوضات إن «حصول مصالحات مناطقية منفردة أثناء التفاوض، واتفاق أحمد العودة مع الجانب الروسي لوحده حول بصرى الشام، إضافة إلى التقدم العسكري على الأرض في ريف درعا الشرقي أضعف موقف الفصائل» بعد انسحاب المفاوضين المدنيين.
وأوضح أن «الروس يقدمون عرض “المصالحة” الذي سبق أن قدموه في كل مكان، مع استثناء أنه لا يتضمن خروج الراغبين»، غالباً إلى منطقة إدلب، في إشارة إلى اتفاقات الإجلاء التي كانت تقترحها على المقاتلين الرافضين للاتفاق مع الحكومة على غرار ما جرى في الغوطة الشرقية قرب دمشق.
ويُثير هذا الاستثناء خشية في صفوف الأهالي والمقاتلين على حد سواء.
وقال الناشط في مدينة درعا عمر الحريري «يرفض الطرف الروسي خروج أي شخص من درعا إلى ادلب أو أي مكان آخر، وهذا هو سبب الرفض المستمر من معظم الفاعليات خوفاً من ملاحقات أمنية لاحقاً.. ومن عمليات انتقامية لو حصل الاتفاق». وتابع «الوضع صعب والفصائل وكل المكونات الثورية في درعا أمام خيارات صعبة جداً. يضيق الخناق علينا أكثر فأكثر».
وقال أحمد أرشيدات (48 عاماً)، أحد النازحين من مدينة درعا لفرانس برس «لن يتركوا أحداً منا هنا خصوصاً في درعا، مهد الثورة»، مضيفاً «الحق معنا ولا نخاف من النظام أو روسيا أو أي طرف آخر».
(أ ف ب)