نقولا أبو فيصل يكتب”بين التعجرف والثقة المفرطة كيانات الى زوال”!
من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا أكتب “جزء 6
التعجرف والثقة المفرطة قد يكونان مشكلة كل المجتمعات القديمة والمعاصرة، ويمكن أن يؤدي التعجرف إلى عدم فهم الآخرين، وعدم التعاون معهم، وفي حين تؤدي الثقة المفرطة إلى الاستهتار وعدم الحس بالواقع ، لذا فإنه من المهم تعزيز الوعي والتواضع والتعاون بين المجتمعات لتجنب هذه السلوكيات الضارة. وعبر التاريخ دفع العديد من الكيانات السياسية ثمن تعجرفها وثقتها المفرطة بنفسها ، كما دفعت ثمن بلوغها قمة ليست قمتها. كيانات ساد فيها التزمت والانغلاق على حساب التسامح والانفتاح، كيانات معادية للانسانية ، عاشت التقوقع وعدم قبول الآخر من دون إبداء الأسباب مما أدى الى تشددها في خطاباتها الشعبوية والتي ادت الى زوالها لاحقًا. والتاريخ شاهد على زوال عشرات الكيانات التي عاشت على إغتصاب أراضي غيرها بغير حق !
ومما لا شك فيه أن العديد من الكيانات الديكتاتورية والنازية والفاشية التي زالت عبر التاريخ ، أو هي على طريق الزوال تتشابه كثيراً مع الإمبراطورية الرومانية في الايام الأخيرة لزوالها ، وهي تشبه سفينة التيتانيك قبل توجهها بقوة نحو جبل الجليد، رغم انه حتى الآن لديها فرصة ذهبية لتغيير مسارها، غير أن غباء حكامها سوف يجعلها تصطدم وتكون نهايتها ! في المقابل فإن بعض ما تبقى من هذه الكيانات المتعجرفة أوشكت على نهايتها بعد أن وقعّ حكامها على شهادة وفاتهم بفعل إجرامهم ، وما علينا سوى الانتظار لمعرفة توقيت زوالها، ويعود السبب بذلك لانعدام الثقة في أنظمة الحكم لديها مع انتشار الفساد، وفقدان السيطرة على الاعلام العالمي الذي غطى لسنوات طويلة اعمالها الاجرامية، رغم أنها استفادت طويلاً من أحادية النظام العالمي الداعم بقوة لهذه الكيانات، ومع ذلك فالكل يعرف أن أحادية النظام العالمي القائم في طريقه للتغيير في المستقبل القريب بما يضع هذه الكيانات المتعجرفة على حافة المجهول في ظل اعتمادها المُزمن على القوة الخارجية، وهكذا غدت هذه الكيانات مثل المرضى الذين يتم وضعهم على أجهزة التنفس الاصطناعي ولا يعود بإمكانهم العيش من دونه.
وفي تشبيه أخر، في مدن الملاهي والألعاب حول العالم لا يدفع المستثمرون مبالغ مالية ضخمة من أجل بنائها لأهداف نبيلة ولإدخال الفرح الى قلوب الأطفال أو رسم ابتسامات بريئة على وجوههم فقط ! وهكذا فالجلوس على كرسي كل لعبة من الالعاب له ثمنه وله وقته المحدد ، وكلما انتهى الوقت يتوجب على الزبون الدفع مجدداً لتجديد جلوسه ،فلا يمكنه تخيل أنه إذا دفع مرّة واحدة سوف يمتلك اللعبة كلها، أو أنه سوف يضمن الجلوس الدائم على الكرسي الملوّن، لأن أزرار التشغيل والتوقيف هي بيد مالك الالعاب أو مديرها ، وإذا لم يستمر الزبون بالدفع ، فإن هناك من ينتظر الجلوس على نفس الكرسي وبنفس الثمن والشروط ، وهكذا في الكيان اللبناني غير القابل للزوال بإذن الله ، فإن الجلوس على كراسي المجالس النيابية والوزارية والرئاسية لها أثمانها، وكلما انتهت مدّة صلاحية استمتاع “الراكب” على كرسي الزعامة يتوجب عليه أن يدفع ثانية حتى يتم تجديد الركوب والارتقاء عالياً مشفوعاً بالامجاد والظهور التلفزيوني اليومي .
نقولا أبو فيصل