معادلة “جيم ـ جيم” ترفض “السلبطة”… والتحجيم
بعد غياب، أطلّ رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل إعلامياً ليقول مباشرة وعلناً، ما نُقل عنه سراً.
كالعادة، لم يُهادن باسيل الاقوياء ولم يراعِهم، وكذلك لم يخرج عن الموضوع وأفهَم الجميع: “العهد عهدنا والأمر لنا”، وإن لم يقلها علناً.
لم يستعن باسيل بصفته الديبلوماسية في غالب الاحيان، كذلك لم ينجح في إخفاء بَصمته ولا من حَجْب “هندسته” للحكومة الجديدة بتفاصيلها المُملة.
إستَخفّ بتلويح “القوات اللبنانية” بالكشف عن الوثيقة السرية من اتفاق معراب، متسائلاً لماذا لا تنشر بعد؟ ومُتباهياً بأنه هو من وَقّعها لأنّه فضّل أن يتحمّل وحده مسؤولية التوقيع.
باسيل لفت الى انه ليس “إبن الرئيس المُدلّل”، بل هو رئيس “التيار الوطني الحر”، واصفاً إيّاه بأنه “تيّاره”! ووحده من يقرر توزير أعضاء تكتله، وكذلك الفصل بين النيابة والوزارة، ولا أحد سواه.
إطلالة باسيل لاقت كثيراً من التعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي اتّضح انّ أصحابها لم يتجاوبوا مع دعوة قيادتهم الطامحة الى التهدئة، فلا مناصري “القوات” هادَنوا… ولا أنصار “وليد بك” تريّثوا.
في هذا السياق، كان متوقعاً بعد زيارتي جعجع وجنبلاط لعون في بعبدا أن تهدأ على جبهة باسيل ـ جنبلاط وباسيل ـ جعجع، لكن اتّضَح انّ باسيل يُغرّد على جبهة منفصلة عن بعبدا، مع العلم أنّ البعض اعتقد انّ ثمة مناورة رئاسية مدروسة مع رئيس “التيار الحر”.
لكنّ باسيل لم يتراجع في حديثه قيد أنملة عن تقسيماته للمغانم الوزارية التي يرى انها تستحق لجميع الأفرقاء، بمَن فيهم “التيار الوطني الحر”، الذي اعتبر انه يستحق 10 حقائب وزارية، بمعزل عن حصة رئيس الجمهورية الوزارية ذات الحقائب الثلاث”، مشيراً الى انّ هذه الحصة منصوص عنها في الدستور، ومتحدثاً عن “الاتفاق” الذي أبرمَه العهد مع سعد الحريري.
ولعلّ أبرز ما ورد في كلام باسيل المُتلفز، إصراره على تحديد حجم “القوات اللبنانية” بـ 3 مقاعد وزارية والحزب الاشتراكي بوزيرين، على رغم من إعلانه انه ليس هو مَن يؤلّف الحكومة بل الحريري ورئيس الجمهورية مُجتمعَين.
لكنه لم يستطع إخفاء تدخّله الواضح في موضوع تأليف الحكومة، خصوصاً عندما قال جواباً على إصرار الطرفين “الاشتراكي” و”القوات” على موقفيهما الرافض تحجيمهما: “عندها لن تؤلّف الحكومة، ويكونا المعرقلَين للتأليف”. هو رأيه، لكن لـ”القوات” و”الاشتراكي” رأي آخر.
تُبدي مصادر قيادية في “القوات” استياءً واضحاً من موقف باسيل، وترى أنه يعاكس توجهات رئيس الجمهورية الداعية الى التهدئة. وتُذكّر هذه المصادر باسيل بأنّ “من يؤلّف الحكومة هو الرئيس المكلّف بالتعاون مع رئيس الجمهورية، وليس الوزير جبران باسيل الذي ليس هو من يقرر ما اذا كانت “القوات “ستكون في صفوف المعارضة او في الحكومة، فهي وحدها من تقرر موقعها وحجمها، امّا المقاييس التي يضعها باسيل فلا علاقة لها بالواقع”.
وتضيف: “هدف باسيل من خلال مقياسه هو إضعاف “القوات اللبنانية” وتحجيمها، وهذا الموضوع لن يمر ولن يتحقق، فالزمن الذي كان يمكنه ان يحقق فيه مكاسب مضى ولن يعود. وبالتالي، فإنّ “القوات” متمسّكة بالمشاركة في الحكومة وفق ما أفرزته الانتخابات من نتائج”.
وفي السياق نفسه، تجزم المصادر “القواتية” بأن “لا حكومة من دون الحزب الاشتراكي ومن دون “القوات”، وباسيل يعرف جيداً هذا الأمر، ويدرك في الوقت نفسه أنّ الحريري لن يؤلف حكومة أمر واقع ترجمة لِما رغب”.
وتؤكد مصادر “القوات” انّ “ما تطرحه و”الاشتراكي” هو “المنطق وليس طروحات “السَلبطة السياسية”، مثلما فعل باسيل الآن وفي حكومات سابقة”. وتضيف: “القوات اللبنانية” باقية في قلب الحكومة طالَ الزمن أم قصر، ولن تؤلف حكومة من دونها، وهذا الموقف ليس استفزازاً لأحد، إذ لا يمكن ان تؤلف حكومة وفق شروط جبران باسيل الذي يريد عمداً أن يُقصي “القوات” انتقاماً لما أفرزته الانتخابات النيابية من نتائج وتحضيراً لمحاصرتها مستقبلاً”. وتحمله تبعات تأخير تأليف الحكومة اقتصادياً وسياسياً ومالياً، وانعكاسه سلباً على الاستقرار في البلد إنطلاقاً من شروطه غير الموضوعية والتعجيزية.
وفي السياق نفسه، تلفت مصادر قيادية في الحزب التقدمي الاشتراكي الى انّ باسيل ليس بقادر على إيجاد مخرج لـ”مطلبه الشخصي”، موضحة “أنّ هذا المطلب هو توزير الدرزي الثالث إستناداً الى معيار باسيل نفسه، لكن على ما يبدو “مش راكبة”.
وتساءلت: “أليس باسيل نفسه هو صاحب نظرية توزير الأقوى في طائفته؟ ولماذا عَطّل انتخابات رئاسة الجمهورية سنوات لأجل نظرية انتخاب الاقوى في طائفته؟ ولماذا عندما وصلت إلينا، وتحديداً الى وليد جنبلاط، أراد باسيل أخذ النقاش الى مكان يناسبه أكثر؟”.
وعن الأحجام، تسأل المصادر الاشتراكية نفسها “كيف لـ7 نواب دروز يحصلون على وزيرين فقط، في وقت يحصل نائب درزي واحد على وزير؟ ولفتت الى “انّ الموضوع سياسي ولا يتّصل بالأحجام”.
وتقول: “اذا كان باسيل مصرّاً على تحجيمنا بوزيرين، فنحن ايضا نُصرّ على الوزراء الدروز الثلاثة، ووفق معيار الحكومة الثلاثينية وهو امر مُسَلّم به، فمَن يمثّل المكوّن الدرزي في البلد؟ وبناء على النظرية الذي طرحها بنفسه، وهي انتخاب الاقوى في طائفته، سنبقى مصرّين على مطالبنا ولن ننسحب من الحكومة وفق أي سيناريو، ولن نكون في المعارضة. اما اذا حصل غير ذلك فيكونون قد أخذوا “خيار المشكل”، فمَن يظنّ انه قادر على حكم البلد بمفرده هو مخطىء وليحاول، ومن يعتقد انه قادر على إقصاء مكوّن او إلغائه فليحاول.
إنّ الحزب التقدمي الاشتراكي أبدى نيّاته الحسنة من خلال تسمية الحريري ومن خلال خياره المشاركة في الحكومة وليس معارضتها، وهم يتكلمون عن خيار حكومة الوحدة الوطنية، وعندما يقررون الذهاب الى اتجاه آخر فليُعلمونا، وعندها نقرر اين يكون تموضعنا؟ وكيف؟
وتؤكد مصادر الاشتراكي “انّ مشكلة الحزب ليست في توزيرالنائب طلال ارسلان او عدمه، إنما ارسلان هو عضو في تكتل “لبنان القوي” ولا علاقة لنا بحصّتهم، وليناقش كل طرف في حصته، ونحن نناقش في حصتنا”.
“لا معادلة تدفع وليد جنبلاط الى التراجع عن قراره، تجزم المصادر الإشتراكية، والمعادلة الوحيدة القائمة والتي يعترف بها الحزب هي القوة الدرزية والتصويت الدرزي الذي حَسم خياره الانتخابي والسياسي، ويجب على الآخرين الاعتراف بالأمر ولا يمكن اختراع أو ابتداع أي معادلات أخرى”.
وتضيف: “نحن نثق بالرئيس سعد الحريري، ولهذا صَوّتنا له”. وتختم المصادر: “حتى الساعة ليس هناك معارضة فعلية للعهد، ولم يتخذ ايّ طرف حتى الساعة القرار بمواجهة العهد. امّا اذا حصلت الخطوة فسنكون في مكان آخر”.
على انّ مناصرين للحزب الاشتراكي ينصحون باسيل في مسيرته السياسية، بـ”أنّ أيّ عهد اذا أراد النجاح عليه التفاهم مع الاقوياء وليس مواجهتهم. فليس من مصلحة العهد مواجهة وليد جنبلاط ولا سمير جعجع. فجنبلاط لن يتراجع، ومن أراد مواجهة الأقوياء ليس بقارىء جيد لتاريخ لبنان”.
الجمهورية