سكاف: أخشى في حال التعاطي السلبي ان تطير الهبة ويبقى النازحين!
سكاف: على المجلس النيابي الاطلاع على المضمون الحقيقي للاتفاق بين المفوضيّة الأوروبيّة والحكومة وإخراجه من التجاذب السياسي والمزايدات والشعبوية
أشار النائب الدكتور غسان سكاف في مداخلته في مجلس النواب الى ان استمرار النزوح السوري إلى لبنان بهذا الحجم لم يَعُد من الممكن أن يستمر موضوعاً خلافياً بين اللبنانيين اليوم، بل ربما هو الموضوع الوحيد الذي يجب أن يُجمع على المطالبة بحلّه اللبنانيون جميعاً من كلّ الطوائف والمذاهب والأحزاب والكتل والتكتلات، لأن هذا النزوح أصبح يشكّل خطراً وجودياً على بلدنا، والأخطار الوجودية تتطلّب وحدة وطنية وقراراً جماعياً لا فردياً.
صحيح أن ملف النازحين السوريين لا يجب أن يتمّ تناوله بعنصرية وعدائيّة وخطاب الكراهية، إلّا أن التغاضي عنه هو جريمة بحقّ الوطن.
وأضاف ” إن تهديد وجود لبنان وتهديد الكيان أوجب عقد هذه الجلسة النيابية من أجل مناقشة هبة أوروبيّة سمعنا بها في وسائل الإعلام وسمعنا تحليلات ومواقف مؤيّدة ورافضة أيضاً في الإعلام، فهل يجوز يا دولة الرئيس أن يطّلع نواب الأُمّة على اتفاق بهذه الأهمية من الإعلام؟
من هنا، كان على المجلس النيابي أخذ المبادرة للاطلاع على المضمون الحقيقي للاتفاق بين المفوضيّة الأوروبيّة والحكومة اللبنانية وإخراجه من التجاذب السياسي والمزايدات والشعبوية والتعامل معه بحكمة وجديّة ومسؤوليّة من أجل الوصول إلى موقف رسمي موحّد وواضح.
إن مناقشة الاتفاق داخل أسوار المجلس النيابي هو واجب وطني ودستوري وأخلاقي مع التأكيد أن قبول أو رفض هذا الاتفاق يجب أن يؤمن المصلحة الوطنية ويخضع لمبدأ السيادة.
وتابع سكاف”لسنا اليوم في معرض اتهام مسؤولينا لا سمح الله، بإبرام صفقة كما سُرّب في الإعلام، فليس من شيمنا أو أخلاقنا أو ثقافتنا أن نتهم جزافاً مسؤولينا من دون دليل، وحسناً فعل رئيس الحكومة بالطلب من رئيس المجلس النيابي بحث هذا الموضوع تحت قبّة البرلمان. فنحن لا نريد استعادة مشهديه “اتفاق القاهرة” عام 1969 والذي ضمنه موقعوه بنوداً بقيت سريّة وعندما كُشفت لاحقاً تسببت بأزمة سياسية كبيرة وتشرذم وطني وانقسام لبناني أدّى إلى تفشّي المظاهر المسلحة التي أوصلت إلى الانفجار الكبير عام 1975، كما لا نريد أيضاً أن تأتي التطمينات الحكوميّة شبيهة بتطمينات 1969 لا سمح الله.
أما وقد علمنا أن هبة المليار يورو ليست منةً مستحدثةً من الإتحاد الأوروبي للبنان إنما إعادةً لتوزيع مبلغ قديم كان يُصرف للنازحين
لذلك نطلب من الحكومة التعامل مع هذا الموضوع وفقاً للآليات القانونية والدستورية المتبّعة وذلك بعد أن يتمّ التأكّد من أن مبدأ المساواة بيننا وبين تركيا والأردن قدّ تمّ تطبيقه. مع رفض تشريع وجود النازحين والإبقاء على حقّ لبنان في ترحيل المقيمين غير الشرعيين. بالإضافة إلى أنّني أخشى ما أخشاه في حالة التعاطي السلبي مع هذا الموضوع أن تطير الهبة ويبقى النازحون.
وقال :” نحن في المجلس النيابي لن نكتفي بالمناقشة وإصدار التوصيات إنما علينا كمسؤولين أن نلجأ إلى خطوات تنفيذية تبدأ ولا تنتهي بإبعاد خطر النازحين السوريين غير الشرعيين عن البلدات والقرى اللبنانيّة وبالتالي حماية أهلنا وناسنا اللبنانيين وأرزاقهم ومصالحهم وذلك بإعطاء الأهميّة القصوى للخطوات الفورية التالية على مرحلتين:
المرحلة الأولى: تبدأ بإقامة مخيمات للنازحين السوريين غير الشرعيين فوراً، بعد تحديدهم وتوصيفهم، في المناطق العازلة بين لبنان وسوريا أسوةً بالحلّ الذي اعتمدته المملكة الأردنية الهاشمية وتركيا، بانتظار القرارات الدولية لعودتهم الآمنة إلى ديارهم وإنهاء فترة الترتيبات اللوجستية والأمنيّة التي ربما ستطول. هذه الخطوة ستمنع فوراً عبء النزوح عن مجتمعاتنا وبلداتنا وقُرانا بكلّ الأوجه الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والثقافية والديمغرافية، وترفع المسؤولية عن البلديات المحلية العاجزة مالياً، فبعضها منحل وبعضها الآخر في طريق الانحلال القسري.
إنّ نهر الليطاني الذي شكّل في الماضي دورة اقتصادية كاملة لأكثر من مليون ونصف المليون مواطن لبناني، يعيشون على ضفتيّ مجراه، من البقاع إلى الجنوب، تحول إلى مكبّ لمياه الصرف الصحي ومخلفات المصانع على أنواعها فتلوّثت مياهه بيولوجياً وكيميائياً، وأصبح يشكّل كارثة وطنية تهدّد كلّ المواطنين..
وحتى اليوم يستمر الملوثون من لبنانيين ومخيمات للنازحين السوريين، في جريمتهم البيئيّة والاقتصادية، دون رادع او وازع.
وأردف سكاف:” إنّ إزالة التعديات عن مجرى النهر بدءا بمخيمات النازحين السوريين، وسائر المعتدين والملوثين من اللبنانيين، على ضفتي النهر، أصبحت اليوم حاجة وطنية وبيئية وصحية واقتصادية واجتماعية ملحة، لإعادة مجرى النهر إلى طبيعته، وليساهم في إنعاش الدورة الاقتصادية في البلاد.
علينا إصدار توصية إلى الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وجامعة الدول العربية وجميع المنظمات الدولية التي تُعنى بشؤون النازحين للتعاون مع السلطات اللبنانية من أجل إقامة هذه المخيمات في المناطق العازلة في أسرع وقت ممكن، والمباشرة فوراً بتفكيك المخيمات داخل الأراضي اللبنانية في جدول زمني ومناطقي تقرّره الدولة اللبنانية لإعادة تموضع النازحين السوريين إلى المخيمات الجديدة.
في المرحلة الثانية تأتي خطوة إعادة النازحين نهائياً إلى بلادهم عندما تزول أخطار عودتهم إلى ديارهم.
وطالب سكاف الحكومة التي ستشارك في مؤتمر دعم النزوح السوري في سوريا ودول الجوار الذي سينعقد في بروكسيل:
أولاً: أن تطلب من الإتحاد الأوروبي تخصيص دولار للدولة اللبنانية مقابل كلّ دولار يُعطى للنازحين السوريين مع مفعول رجعي.
ثانياً: المطالبة بمبالغ فورية إضافية لإقامة المخيمات في المناطق العازلة.
ثالثاً: إن تحديد مبلغ معين من هبة المليار يورو للقوى الأمنية لحماية الحدود البحرية منعاً لهجرة النازحين السوريين إلى أوروبا هو عمل مشكور. ولكن على الحكومة الطلب أن يُلحق هذا المبلغ بمبالغ إضافية وإصدار الأوامر الواضحة للقوى الأمنية كافةً لحماية الحدود البرية ومنع تسرب جديد للنازحين السوريين.
رابعاً: مع اعتقادنا أن لا مصالحة للبنان بأن يذهب في مواجهة مع الإتحاد الأوروبي وأنّه بينما يرفض لبنان أن يكون بلد لجوء، لا يريده الإتحاد الأوروبي أن يكون بلد عبور إلى بلاده، فعلى الحكومة اللبنانية أن تبلّغ الدول المجتمعة في بروكسيل بالآتي:
– إن كرة النار التي يشكلها النازحون السوريون لن تنفجر فقط في لبنان إنما سيصل صداها إلى أوروبا.
– وإن العودة الطوعية للنازحين يجب أن تبدأ فوراً بإيقاف الدعم المالي للنازحين الاقتصاديين في لبنان.
وختم “لن أُنهي مداخلتي اليوم من دون التوقّف عند أهمية انتخاب رئيس للجمهورية والتي فات المسؤولين الدوليين المفاوضين ذكره في بيانهم النهائي، مع أن رئيس الجمهورية هو المخول الوحيد بحسب الدستور عقد الاتفاقات والمفاوضات مع الجهات الدولية، وهي مهمة (أي مهمة انتخاب الرئيس) قد أخفق مجلسنا حتى اليوم القيام بها.
وكلنا أمل ألا نكون قد دخلنا في مرحلة التطبيع مع تغييب رئيس الجمهورية.
وأضاف ‘نحن نعلم أن اللبنانيين ينتابهم اليأس والقلق على المصير، ونحن المؤتمنون على الثقة التي أولانا إياها الناخبون، يجدر بنا ألا نخون هذه الثقة.
ونحن معشر الأطباء الذين يعيشون مع المرضى والمرض، نتعلم كيف نتمرّد على اليأس ونعلم أن الأوطان تُبنى بسواعد رجالاتها، وقد تعلمنا من تجاربنا في مهنة الطّب أن ليس هناك شيء مستحيل، وأن ليس هناك نفق من دون ضوء في آخره، وأن مهمة الانتقال من غير الممكن إلى الممكن تتطلّب الشجاعة والصدق والمثابرة.
فلنحافظ على وطن بناه آباؤنا وأجدادنا المؤسسون ولنحافظ على مجد ٍ أُعطي لنا، ولنعمل سوياً لصنع لبنان جديد يليق بأبنائنا.