كتب نقولا أبو فيصل “بين من علمني الكلام ….ومن علمني الصمت”!
يقول القديس يوحنا في الكتاب المقدس “في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله”(يو 1:1) ويسوع المسيح هو “الكلمة”وهكذا يكون يوحنا الحبيب أول من تحدث عن ألوهية المسيح وعلاقته بالله الآب منذ الأزل. ويقول القديس لوقا “يا ربّ، علِّمنا أَن نُصلِّي.” (لوقا ١١: ١) وهكذا يكون يسوع هو المعلّم الاول. ويقول البابا فرنسيس “يسوع هو معلّمنا الأول والأعظم” ويستمر الكتاب المقدس في توضيح مفهوم “الكلمة” من خلال آيات عديدة :“هذا كان في البدء عند الله”.“كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان.” “فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس. “والنور يضيء في الظلمة والظلمة لم تدركه” وهكذا نجد يسوع المسيح أنه الوسيلة التي خلق بها الله كل شيء. كما أن “الكلمة” هي مصدر الحياة والنور للإنسانية.
وفي كتابه “النبي” يظهر جبران خليل جبران مدى اهتمامه بالكلمة وبقوتها وأثرها في تغيير العالم من خلال كتاباته “إذا تكلمت بالكلمة ملكتك، وإذا لم تتكلم بها ملكتها.” ويتابع “الكلمة التي لا تموت هي تلك التي تنبع من القلب وتصل إلى القلب.” ويضيف “الكلمات كالزهور، إختر منها ما يزين حياتك وحياة الآخرين.”وفي تجربة شخصية فإنه في حياتي فإني لا أزال مديناً لمن علمني الكلام وجعلني غنياً بالمعرفة ، وأتاح لي القدرة على التعبير عن نفسي وأفكاري بوضوح، وجعلني أتمكن من التواصل الفعّال مع الآخرين، فالفصاحة في الكلام تفتح أبواباً وتبني جسوراً وتساهم في بناء العلاقات وتبادل المعرفة . كذلك لا أزال مديناً لمن علمني الصمت فقد جعلني غنياً بالحكمة فالصمت ليس مجرد غياب للكلام بل هو فن يتطلب تفكراً عميقاً وتقديراً للأوقات التي يكون فيها الصمت أكثر بلاغة من أي كلمة.
وفي الصمت تعلمت الاستماع إلى الآخرين وفهمت الحياة بشكل أفضل، واكتسبت قدرة على التفكير والتحليل قبل أن أتحدث مع الاخرين لان الصمت هو تعبيرٌ عن الاحترام ووسيلة للتأمل والهدوء الداخلي , وبالتوازن بين الفصاحة والحكمة فإنني وصلت إلى مرحلة جيدة من الوعي والقدرة على التصرف بحكمة أكبر في شتى المواقف. وإذا كان الكلام قد منحني القوة للتأثير والإقناع في الحياة ، فإن الصمت منحني العمق والرؤية الثاقبة. ويبقى أخيراً أنه ليس هناك من وجع ٍ أكبر من أن يقف الكلام بين الفم والحنجرة ، وإن اظهرته ندمت ، وإن أبقيته تألمت”والله لا يجربكم”
نقولا أبو فيصل