لبنان الرسمي وحزب الله: خطان متوازيان يلتقيان برفض الاستسلام
موقفان يتجاذبان على الساحة اللبنانية. موقف لبنان الرسمي من جهة، وموقف حزب الله من جهة أخرى. لبنان الرسمي يطالب بوقف إطلاق النار، ويتعاطى بأولوية وقف الحرب وفصل الجبهة عن غزّة. حزب الله أعاد التأكيد على ترابط الجبهتين على قاعدة مواجهة الأطماع الإسرائيلية، وأنه في حال لم تتم مساندة غزة فإن إسرائيل ستعمل على تحقيق أهدافها التوسعية. تتضارب وجهات النظر بشأن الموقفين، بين من يعتبر أنه تناقض في وجهات النظر، في مقابل من يعتبر أن المواقف منسّقة، على قاعدة مطالبة لبنان بوقف النار، في مقابل إصرار حزب الله على التصعيد ورفع مستوى العمليات والتهديد، من أجل تحسين الموقف التفاوضي للحكومة.
اختلاف أن تنسيق؟
انعكس ذلك في كلام نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، والذي أكد الانتقال إلى مرحلة جديدة وهي مرحلة مواجهة الحرب الإسرائيلية على لبنان وفرض معادلة “إيلام إسرائيل”، بتنفيذ المزيد من العمليات العسكرية ضد العمق الإسرائيلي. وأن بإمكانه ضرب كل نقطة في الكيان بعدما تجاوزت إسرائيل كل الخطوط الحمر وارتكبت مجازر.
هذا الكلام يأتي في سياق الردّ على ما قاله رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حول الحصول على ضمانات أميركية بعدم ضرب بيروت والضاحية. إلا أن كلام قاسم بضرب كل الجغرافيا الإسرائيلية لا يشير إلى الموافقة على هذه المعادلة. خصوصاً أن الحزب يعتبر أن الضاحية قد ضربت مسبقاً وتم تهجير أهلها، ولذا هو ملزم بتنفيذ ردود موازية لهذه الضربات. في المقابل، تقول مصادر متابعة إن كلام ميقاتي والدعوة إلى وقف إطلاق النار منسّق مع برّي ومع الحزب، وموقف الحزب يأتي لتعزيز موقف الحكومة.
قيادة إيرانية
ذهب قاسم أبعد من ذلك، في إعادة ربط الجبهات مع غزة، وقال إنه لا يمكن فصل الجبهات. وهذا له تفسيرات كثيرة، آخرها ما يعتبره البعض بأنه توقع من قبل حزب الله لاقتراب الضربة الإسرائيلية على إيران. ما يعني دخول الحزب في تصعيد عسكري لمساندة إيران، كما ساند غزة، وإشارة جديدة على إعادة تفعيل كل الجبهات في حال تطورت المواجهة بين إيران وإسرائيل إلى ضربات متبادلة.
هنا تشير مصادر متابعة إلى أن إيران دخلت بشكل مباشر على تنسيق وقيادة العمليات العسكرية التي يخوضها الحزب، وهذا التصعيد التدريجي في الصواريخ والمسيرات، هو قرار إيراني، لإيصال رسالة مباشرة للإسرائيليين بأنه في حال ضرب إيران، فإن الجبهات ستتصاعد ضد إسرائيل. وقد يلجأ الحزب إلى استخدام صواريخ بالستية أكثر تطوراً ومسيّرات لم يستخدمها من قبل. وتضيف المصادر حول إمكانية أن تكون إيران هي التي زودت الحزب بمعلومات دقيقة حول موقع قاعدة بنيامينا، ومواقيت الطعام لدى الجنود، بالاستناد إلى أقمار صناعية إيرانية. وهو ما ساعد الحزب على توجيه ضربة دقيقة، حقق فيها هذه الإصابات المباشرة في لحظة تناول الجنود من لواء غولاني للطعام.
طلب وقف إطلاق النار
يأتي التصعيد في وقت يسعى لبنان بكل جهوده السياسية والديبلوماسية إلى تحمّل كل المسؤوليات في سبيل وقف الحرب الإسرائيلية التي يتعرّض لها. ينشط لبنان الرسمي، وبتنسيق مباشر بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس مجلس النواب نبيه برّي، بالتواصل مع كل الدول المعنية للوصول إلى وقف لإطلاق النار. يكشف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي عن اتصالات وتحضيرات في مجلس الأمن لاتخاذ قرار بوقف إطلاق النار. وأعلن صراحة أن الحكومة اللبنانية اتخذت قراراً بالتقدم بطلب لمجلس الأمن الدولي، لإصدار قرار يقضي بوقف فوري لإطلاق النار. لا يمكن للحكومة أن تتخذ مثل هذا القرار إلا لأنه يشمل حزب الله أيضاً، وهو ما قاله الشيخ نعيم قاسم، الذي طالب بوقف إطلاق النار أيضاً باعتباره المطلب الأساسي قبل أي نقاش آخر.
في الوقت الذي يتقدّم فيه لبنان بهذا الطلب، تشهد الأروقة الدولية تزاحماً في البحث عن مخارج سياسية وديبلوماسية. لا تنفي المصادر الديبلوماسية مواصلة الكثير من الضغوط الدولية لدفع حزب الله إلى الاستسلام. وذلك من خلال التلويح بالمزيد من العمليات والتصعيد العسكري، أو من خلال استحضار النقاش في القرار 1559 والحديث عن نزع الأسلحة.
وصلت رسائل دولية عديدة ومباشرة للمسؤولين اللبنانيين بأن يعلنوا عن وقف لإطلاق النار من طرف واحد. وهو ما اعتبره اللبنانيون أنه طلب استسلام من قبل الحزب، ولا يمكن أن يوافق عليه. لذلك كانت الصيغة في اللجوء إلى مجلس الأمن، مع التعهد الكامل في تطبيق القرار 1701. ما يعني خروج حزب الله بسلاحه الثقيل من جنوب نهر الليطاني.
نظرية في السلاح
تستمد هذه النظرية قوتها من اتفاق شفهي أبرم في العام 2006 بعد إصدار القرار 1701، ويقول الاتفاق إن كل السلاح غير الظاهر في الجنوب يعني أنه غير موجود. وتم توفير الغطاء السياسي لهذه الآلية التي طبّق بموجبها القرار 1701 من خلال اتفاق سياسي. حتى وقف النار من طرف واحد استبقه نتنياهو بكلامه للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إذ توجه إليه بالقول إن إسرائيل ترفض وقفاً أحادياً للنار، وتريد الوصول إلى ضمانات حول عدم عودة حزب الله للتسلّح مجدداً. وهو ما يعني مضي إسرائيل في مخططاتها.
حالياً، يعلن الإسرائيليون رفضهم لذلك. المقاطع المصوّرة التي يظهرونها لأنفاق حزب الله وأسلحته، وادعاءاتهم بأن الحزب يستخدم مواقع قريبة من مواقع اليونيفيل لإطلاق الصواريخ، هي محاولة إسرائيلية لإحراج القوات الدولية والمجتمع الدولي، وإحراج لبنان أيضاً، وليبرر نتنياهو لنفسه استهداف اليونيفيل أو فرض معادلات جديدة.
ما يقوله الإسرائيليون إن هذه المعادلات لم تعد قابلة للتطبيق، ولذلك يبحثون عن خيارات أخرى أو يحاولون رفع سقف شروطهم، من خلال المطالبة باعتماد الفصل السابع بدلاً من الفصل السادس. هذا من دون إغفال المسار الإسرائيلي الذي يريد المضي بالتصعيد العسكري. يحاول الإسرائيليون التشويش على أي تحرك فرنسي أو دولي آخر يسعى إلى وقف النار وتطبيق القرار 1701، ولذلك يعملون على تسريب شروطهم ورفع سقف تهديداتهم.
الضاحية وبيروت
ما أعلنه ميقاتي أيضاً هو الحصول على ضمانات أميركية بعدم استهداف العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية. وهذا له تفسيرات كثيرة، أولها المساعي الأميركية التي بذلت سابقاً حول منع إسرائيل من استهداف بيروت، مقابل وقف حزب الله استهدافاته لمدينة حيفا. لكن الحزب رفض ذلك وأصرّ على عدم استهداف الضاحية الجنوبية لبيروت. لم يقدّم الإسرائيليون جواباً واضحاً، فمضى حزب الله بعملياته ضد حيفا وتل أبيب.
ثاني التفسيرات، هو أن واشنطن طلبت من لبنان الإعلان عن وقف إطلاق النار من طرف واحد، مع ممارسة ضغوط سياسية قوية على الحكومة والمسؤولين، وفي موازاتها طلبت من الإسرائيليين التوقف عن استهداف الضاحية وبيروت، لإعطاء مجال لهذا الضغط السياسي، وكي لا يكون استمرار الاستهدافات “ذريعة” لبنانية لرفض الإعلان عن وقف إطلاق النار. ثالث التفسيرات، هو أن إسرائيل خففت من هذه الضربات في سياق انشغالها بالتحضير لتوجيه ضربة ضد إيران.
الحرب الطويلة؟
على الرغم من كل هذه الرسائل بقي حزب الله محافظاً على وتيرة مرتفعة من عملياته العسكرية. وذلك يعود إلى سبيين، الأول هو عدم الوثوق بأي مفاوضات إسرائيلية، خصوصاً أن عملية اغتيال السيد نصرالله كانت في ظل النقاش الدولي حول كيفية الوصول إلى وقف لإطلاق النار. ما يعني أن الحزب يتعاطى مع هذه الطروحات باعتبارها عمليات إلهاء. والثاني، هو إبراز قوته وقدرته على مواصلة العمليات القوية والنوعية، وقد كثّفها لموازنة الموقف السياسي مع الموقف العسكري. أي أن تعلن الحكومة اللبنانية المطالبة بوقف النار، بينما يواصل الحزب العمليات كي لا يُقال إنه أوقفها من طرف واحد.
يتعاطى حزب الله مع كل التطورات وكأن الحرب طويلة، وكل المساعي الدولية والديبلوماسية لن تجدي نفعاً. كما يؤكد أنه لن يخضع للضغوط، خصوصاً في ظل التحضيرات الإسرائيلية لتوجيه ضربة لإيران، ما يعني أن هناك احتمالات لاشتعال المنطقة ككل.
على المستوى الميداني، لا يزال حزب الله واثقاً من قدرته على توجيه ضربات موجعة جداً للإسرائيليين، وتنفيذ عمليات مشابهة لعملية استهداف قاعدة بنيامينا، وإسقاط الكثير من القتلى والجرحى في صفوف الجيش الإسرائيلي.
يضع الحزب معادلة “إيلام نتنياهو وكل إسرائيل” لدفعهما إلى التراجع والقبول بالتفاوض وتخفيض السقوف. أما حول التقدم الإسرائيلي البرّي، فإن الحزب يضعه في سياق “طبيعة المعارك” والتفوق الجوي والتكنولوجي للإسرائيليين. لكنه يشير إلى قدرته على تكبيدهم خسائر كبيرة، ونصب كمائن لهم بعد دخولهم، وبعد انتفاء قدرة استخدام السلاح الجوي
منير الربيع -المدن