
كتب نقولا أبو فيصل “ثقافة الخوف وثقافة الثقة في الوظيفة”



يترنّح الموظف في مؤسسات القطاع الخاص في لبنان بين ثقافتين متناقضتين تحدّدان مصيره، وتوجّهان أداءه، وتبنيان مستقبله المهني: ثقافة الخوف وثقافة الثقة. فالاولى تقوم على التهديد والمحاسبة القاسية، وانعدام الشفافية. ويعمل فيها الموظف بدافع القلق من العقاب أو الفصل من الوظيفة، لا بدافع الإبداع أو الانتماء . كما تُكمّم فيها الأفواه، وتُكبت المبادرات، وتُقابل الأخطاء بالتشهير لا بالتطوير . وقد تُنتج هذه الثقافة انضباطًا مؤقتًا لكنها تقتل روح الفريق وتحرم المؤسسة التجارية او الصناعية من طاقات بشرية قادرة على إحداث الفرق .
في المقابل، تقوم ثقافة الثقة على تمكين الموظف وتعزيز حسّ المسؤولية لديه. وهي ثقافة تسمح بالتعبير عن الرأي، وتشجّع على المخاطرة المحسوبة، وتتعامل مع الخطأ كفرصة للتعلّم لا كجريمة. وفي هذه البيئة يشعر الموظف بالأمان فيُبدع ويبتكر ويتطوّر . والإدارة هنا لا تفرض الرقابة، بل ترعى الشفافية وتحتضن الطموح. وفي هذا الإطار، جسّدت مجموعة غاردينيا غران دور الاقتصادية هذا التحوّل من ثقافة الخوف إلى ثقافة الثقة عبر اتباع “سياسة التعليم وليس المعاقبة” وعبر اعتماد نهج إداري يرتكز على الإيمان بالطاقات الفردية وتشجيع المبادرات وتبنّي الأفكار الجريئة وتمكين المرأة في مختلف مواقع القرار.
في غاردينيا غران دور لم يعد الموظف مجرد منفّذ، بل صار شريكًا في البناء، وصاحب حلم في الإنجاز. وهكذا نجحت غاردينيا في خلق مناخ وظيفي يتناغم فيه الانضباط مع الحرية، وتتوازن فيه الرقابة مع الاحترام . وهذا ما جعلها تتحوّل من مصانع إلى قصة نجاح اقتصادية واجتماعية، تنمو بفعل الثقة، لا بالخوف. وفي النهاية،ومن وجهة نظري فإن المؤسسة التي تختار الثقة ستحصد الولاء، أما تلك التي تبني جدران الخوف، فسرعان ما تهدمها رياح الرحيل الجماعي أو الفشل الداخلي .فالخيار ليس بين الانضباط والفوضى، بل بين قمع الطاقات أو تحريرها.
نقولا أبو فيصل كاتب وباحث وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين
