وليد بيك الكاميرا تحبك حتى الزعامة … والدرب طويل

يومٌ من التاريخ، أمضته كاميرتي في قصر المختارة مع وليد بيك. شخصية زعيم المختارة، كنزّ ذهبيّ ونادر للكاميرا، صورُه ثروة بصرية لأرشيف الذاكرة التاريخية لزعيم من الزعماء القليلين الذين لعبوا أدوارهم بمهارة وشرف على المسرح السياسي اللبناني في أصعب الظروف.
الزعيم وليد جنبلاط بين ناسه من دون تكلفة او تكبّر. يتجوّل بينهم في حرية وأمان. لا يرغب ان يرافقه أحد، يحبّ التجوّل وحيداً. واذا حاول أحدهم أن يلعب“ دور المرافق“ يلتفت نحوه ويقول كلمته الشهيرة ”مش ضروري تركوني وحدي“، رغبته المحبّبة لديه ان يفكر في صمت، وهو يتجول وحيداً في قصره وبين باحاته ،وتحت قناطره لا يحبّذ الضجيج ولا التدخل ”غير ذي المعنى“. التفكير في صمت مطلبه، والحديث بعينيه مع الجبل متعته. لا ضرورة للأزعاج المتطفل من دون فائدة. وليد جنبلاط أبن المختارة مواطن يحب الطبيعة ويبادلها الودّ، والتجول وحيدًا كسائر الناس.
نحن المصورون لا نمل من التقاط الصور له ، بل نلاحقه كظله، ، يواجهنا بلطافة حين توقظه من خلوته الفكرية أصوات كاميراتنا، يلتفت نحونا ” مزعوجاً“،ويقول بصوته الطفولي الهادىء ”خلص تصوير اليوم خلصنا بلاها خلص بكفي “، ثم يتابع مشواره بأتجاه مدخل القصر منتظرا وصول ضيفه الكبير وصديقه الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند.
يلتفت في كل الأتجاهات يتأكد أن الضيوف الرسميين والحشود تدخل بسلاسة الى الباحة، وأن مراسم الأستقبال الرسمي تنفّذ كماخطّط لها هو شخصيًا. وليد بيك القائد ذو الشخصية الجذابة لا يحب أن يترك ثغرة في مراسم الأستقبال. كل شيء منظم عنده ويريده على ”الألسطه“ بما يليق بقيمة الضيف.
توقفت كاميراتنا عن ضجيجها للحظات، للكفّ عن أزعاج هذا الزعيم المدمن على القراءة وصديق الصحافيين. ابتعدنا عنه افساحا في المجال أمامه للعودة الى ذاته المتواضعة والى خلوته الفكرية. الصامتة. برهة يرتاح فيها من ”مطاردتنا له“ ليمنحنا أشارة ودٍّ مع ابتسامة خجولة تحمل كل معاني الرضى عن ممارستنا لدورنا الصحافي وبأصوات الكاميرات ”المرهقة“ ، وأن لا أعتراض لديه على ملاحقتنا له ” اللجوجة“ نحن معشر المصورين.
رافقته كاميرتي لساعات خلال تغطيتي لزيارة الرئيس فرانسوا هولاند للمختارة أمس الأول الخميس . حضور سياسي رفيع الجميع يدرك أهمية زعيم المختارة في المسرح السياسي اللبناني ومنذ عشرات السنين. كاميرتي ترتاح بتصوير وليد بيك. ” تصوير أبو تيمور نهمٌ فوتوغرافي لا يشبع“، شخصيته الساحرة مغرية للكاميرا، وكثيراً ما تسبب أصواتها له ولتواضعه ” ألأزعاج“. رغم أدراكه لأهمية الصورة الصحافية لرجل سياسي من حجمه. أضافة الى كونه مصوراً يمتلك في خزائنه أحدث الكاميرات ذات الجودة العالية . ومعروف انه يحمل في جيبه دائما كاميرته الشخصية الصغيرة.
يمضي وقته بأنتظار وصول الضيف عند مدخل القصر بإبتسامة يوزّعها على الجميع ، يمازح بتودد أطفال كشافة التقدمي. وليد بيك لا يعرف الوقوف الطويل في مكان واحد، هو دائم الحركة، ما أن يقف عند البوابة الرئيسية حتى يغادر بعد ثانية واحدة وبهدوء عائدا الى الباحة الرئيسية، شابكاً يديه خلف ظهره ويمشي بين الناس كأي مواطن عادي..
الزعيم الجنبلاطي حين تصادفه الناس، يرغب ان تبقى على طبيعتها. مش ضروري ” الأنفحاط أو التصنع“. تقديم طقوس الولاء والتعبير المفرط بالحب له لا يحبذه. على عكس الكثير من السياسيين، يتصرف بتواضع، مراسم الطاعة ليست من رغباته… لبنان الوطن همّه، وروحه الجبل وناسه. لا شيىء عنده مقدس سوى الوطن. أبواب القصر مفتوحة أمام الناس . ويردد الناس في المنطقة أن ابواب القصر الجنبلاطي ما أقفلت يوماً حتى في أحلك الظروف.
هو وليد جنبلاط حامل همّ الجبل وهمّ الناس، مصلحة واحدة هو والناس. .وحتى في السياسية، لا شيء عنده يعلو فوق الناس ومصالح الناس. . قائد”الحركة الوطنية ” السابق ، ورئيس الحزب الأشتراكي مناضل يدرك وجع الناس. زعيم المختارة سياسي محترف، ولاعب رئيسي على مسرح الأحداث في لبنان والمنطقة، فنّان في العمل السياسي. يملك ببراعة مفاتيح التحالفات السياسية المتحركة. للعبة السياسية شروطها. هو مدركها تماماً، يعرف حدودها، وخطواته ضمنها دائماً مدروسة..
وليد جنبلاط أنسان أنيق المظهر، يختار بعناية ملابسه. هو أول سياسي تجرّأ وبكل شجاعة وغيّر في اللباس الكلاسيكي لرجل السياسة، اذ أدرج موضة ” الجينز وجاكيت الجلد“.
لعل من أهم ميزاته واخطرها وأقربها الى شخصيته،انه غالباً ما يبدو اكثر تماسكا واتزاناً في أوقات الشدة.والأرجح أكثر قدرة على استشراف الواقع في دينامياته المختلفة. تحسبه انه قال كل شيء ثم تُفاجأ بعد قليل ان لديه الكثير مما لم يدلُ به بعد. ليس بمقدور احد ان ينهي حديثاً مع البيك كيفما يريد، وحده زعيم المختارة يطبع الحديث بطابعه الشخصي ولكن بانفتاح مثير للدهشة.
شخصية فائقة الذكاء محببة للغاية جذابة ،ترخي على الناس غموضاً ساحراً لا يفارق المخيلة
وليد بيك نترقب مناسبة جديدة لتحظى كاميراتنا بفرصة أخرى لتشبع نهمها من صور نلتقطها لك.
المصور نبيل أسماعيل