حسن مراد يمثّل دور وزير
كان مهيناً للدستور وللمواطنين، في آن معاً، هذا الاشتراط القهري الذي أخّر تشكيل حكومة لبنان تسعة أشهر. وانتهى الأمر بغتة، بتسمية الشاب حسن مراد، ابن عبد الرحيم مراد، وزير دولة لشؤون التجارة الخارجية. وهو لقب مبتدع لا سابق له.
وأما حال هذا الوزير في “تركيبة” الحكومة (ولنتأمل عبارة “تركيبة”، ودلالتها في ابتذالية اللغة السياسية والصحافية اللبنانية)، فأسوأ من لقبه الوزراي المُخترَع. فهو يمثل “اللقاء التشاوري”، الذي دُبِّر ذات عتمة، بفبركة وقحة من جهاز حزب الله، وتم فرضه على اللبنانيين وعلى مجلس النواب، كخنجر غدر في خاصرة حياتنا السياسية ونظامنا العليل أصلاً. والأدهى أنه الوزير “الحائر” ما بين حضوره اجتماعات تكتل “لبنان القوي” (حزب جبران باسيل) ويصوت وفق قرار “اللقاء التشاوري” (سنّة حزب الله والنظام السوري)، ويُحسب من حصة الرئيس عون في مجلس الوزراء. أي أنه، في كل يوم هو يمثّل دوراً مصطنعاً من أوله إلى آخره. فيما المأساة أنه لن يمثل نفسه ولا مرة.
وتطوع حسن مراد لهذا الدور، ليس إنكاراً للذات، على معنى التضحية والافتداء، وفق مبدأ الغيرية وحب الصالح العام، إنما هو إلغاء للنفس وأهوائها وأناها وكينونتها السياسية، ليغدو حضوره تمثيلاً لدور ثانوي في مسرح الدمى وخيال الظل.
والحق، أن تسميته وقعت علينا وقوعاً طيباً، بل وبرضى واستحسان نسبيين، ليس فقط لأنه شاب ومتعلم، ومن الجيل الذي اكتسب وعيه في التسعينات، فلا ماضي مريباً له لا بزمن المخابرات السورية ولا بعهد الميليشيات.. بل أيضاً لأننا عرفناه عن كثب، حيوياً ومرحاً ومحباً للحياة، يقضي أوقاته برفقة أصدقائه من مرتادي مقاهي الحمرا، الناشطين والإعلاميين وأصحاب المهن الحرة. وعلاوة على لطفه وبشاشته، تميّزت صورته بفوارق كثيرة عن صورة أبيه، مظهراً وثقافة وسياسة. فأصحابه من اليساريين والـ14 آذاريين أكثر من أولئك المحسوبين على “الممانعة” ومناخها الكئيب والعصبي.
ولسنا ندري، إن كان يأخذ حزب والده “الاتحاد” على محمل الجد، وإن كان يتنكب فيه عضوية المكتب السياسي ورئاسة قطاع الشباب. لكن الأكيد هو جدارته في إدارة الجمعيات والمؤسسات التابعة للأسرة.
على هذا كله، وبتسامح فائض يغضُّ النظر عن السادية السياسية لمكيدة “اللقاء التشاوري”، توسمنا خيراً بالوزير الشاب، و”طمعنا” أن نحاوره ونقابله، علّنا نسهم في تعريف اللبنانيين به، وربما نساءله فيما ينوي عمله بهذا المنصب الجديد، الذي هبط عليه، بفضل “تسوية” ليس له حيلة فيها ولا دخل، فظهر هكذا وريثاً محظوظاً لأبيه المقتدر.
فجأة، ما أن صار وزيراً لم يعد يحمل هاتفه. على مدى يومين، أربعة اتصالات يرد عليها كل مرة سكرتير أو مرافق مختلف: الوزير مشغول، سنبلغكم بالموعد. الوزير باجتماع، سنعاود الاتصال. الوزير يتغدّى، سيكلمكم حال انتهائه من الطعام. الوزير سيسافر ووقته ضيق، اتصلوا بعد الإثنين. وعلى هذا المنوال، من قلة التدبير واللباقة، انتهى الأمر.
طبعاً، وعود الرد كانت كاذبة كل مرة. وهذا كافٍ لندرك أن معاليه، يظن أن تمثيل دور وزير يقتضي منه هكذا سلوك، تماماً كما هو رائج في الأفلام الركيكة عن السياسيين المتعجرفين والمتكبرين. وكأن أبيه المخضرم لم يلقنه أولى دروس السياسة: تمثيل التواضع على الأقل، إن لم تكن متواضعاً فعلاً.
وسوء الفهم الأدهى، ظنه أن مقابلة صحافية هي خدمة منه للصحيفة، لا العكس. وهذا أيضاً ما يدل أن صفة “الشباب” ليست دائماً حميدة، إذا اقترنت بجهل وطيش. فلا يعرف أن رجالات السياسة ما أن يستيقظوا حتى يحصون بهوس كم تفوق عليهم خصومهم في الحضور الإعلامي.
نأمل اليوم، أن يبدأ حسن عبد الرحيم مراد مهامه الوزارية (الافتراضية) على نحو أفضل مما بدأه صحافياً.
المدن