الذاكرة البشرية هشّة لتناسي الهلع وفائض الصلوات…
بقلم علي اسماعيل
بالتأكيد ستعبر البشرية الى مرحلة جديدة منتصرة ربّما أو موهومة بالنصر، على الرغم من الخسارات الكبرى، وهي خسارات فادحة بالضرورة لطالما كانت بالارواح بالدرجة الاولى، ولكن ككل المآسي ستضمحل كل الانكسارات شيئاً فشيئاً وتسكن في متاهات الذكرى وستتراجع الدموع الى مآقي الخيبة .. وسيتماثل العالم للشفاء مدركاً عجزاً، لطالما ظنّ تيهاً أنّ العجز أصبح لغة الشعوب الضعيفة يعلكونها ممزوجة بآلامهم وأنينهم . سيتماثل العالم للشفاء ذليلاً ، ناقماً على كل منجزات المدنية بما فيها الترسانات الهجومية والدفاعية والبيولوجية والنووية الفاتكة بعقول البشر قبل حيواتهم ، لأنها لا توازي ولا تغني عن جهاز مناعي في جسم هذا الكائن المهلوع البائس.
وبالمقابل تشتعل المخيلات بتصوير عالم أكثر إنسانية تسوده روح التعاضد والمحبة، على اعتبار أنّ اجتماع الناس وائتلافهم في مواجهة هذه الجائحة سينسحب على سلوكهم فيما بعد في تسيير امورهم البسيطة وأوهامهم المعقدة . وأنّ النظريات القائلة إنّ هذه الجائحة جاءت عقاباً غيبياً للإنسان على انتهاكاته للطبيعة وللقيم الانسانية كافة ،ومن البدهي أن يكون الردّ عليها بعودة الانسان الى ذاته بمنطلقاتها القيمية الصافية ، وسيقف متضرعاً معتذراً من الطبيعة، يطلب الصفح عما اقترف عقله المجنون ، علها تصفح .
على أمل التوبة النصوح ، وعلى لهفة أن يكون القادم من الأيام أرقى . إلا أنّ التاريخ يحدثنا بخلاف ذلك ، فلم تكن الكوارث دروساً ناجعة ، أو لنقل لم تكن ناجعة لمن يمتلك القدرة على تعديل مناهج الحياة . والذاكرة البشرية هشّة بما يكفي لتناسي كل أشكال الهلع وفائض الصلوات . والذاكرة البشرية خبيثة بما يكفي لترويض القلوب والعقول لانتظار مآسي جديدة .
والعالم حتماً إلى تقدم … عسى ألا تكون الهاوية وجهته الجديدة.