الكورونا والثورة
بقلم الدكتور سعد كموني
المشكلة الحقيقية تكمن في حقل التوقعات لما بعد كورونا. بعد أن يكون هذا الفيروس قد أعطى القبر حصته منّا، وأبقى للحياة من يرتع فيها ويلعب، أو من يسعى في مناكبها بجدّ وكفاءة.
المشكلة أنّ الذي يجب أن يتغير قد لا يتغيّر، وهذا ما سيقذف بنا مرّةً أخرى إلى خارج الحياة وأعيننا ترى ولا ترى.!
من شأنِ هذه الظواهر عادةً، أن تُحدث هزاتٍ هائلةً في جسد الكون وقاطنيه، فالكون يعرض نفسه بوضوح وشفافية، لا يمسك عن حركة أو سَكنة، أو خليّة، أو بعض خلية، حية أو ميتةٍ إلا ويعرضها، والقاطنون يتجاوبون مع ذلك في أداء تلقائيّ يتراوح بين الهلع والرجاء واليأس من جهة، والتفكير وإعادة النظر والاختبار من جهةٍ أخرى، وبين جهتَي التجاوب مظاهر مختلفة لا تحصى من الارتباك والإرهاق والبلاهة والجدّ والاجتهاد.
الكون لم يتغيّر، بل نحن مَنْ يجب أن يتغيّر، ما كنّا نقول عنه إنّه ردُّ فعل الكون على سوئنا وبعدنا من الله، يجب أن نراه من أعمال الكون ونواميسه، وما كنا نتصدّى له بالأدعية والنذور، أو كما يفتي المفتون، صرنا نتصدّى له بما يقول الأطباء وأولو الاختصاص الدقيق. هل سيحصل هذا؟ سيحصل ولكن ببطْءٍ شديد، أو قد لا نراه مهمّا فنؤجله حتى تسقط قيمة الامتثال إلى ما يجب، فلا تنفع عندها أيّ مؤاخذة للنفس، ولات حينَ مندم.
غير أنّ الخوف الشديد ـــــ لديّ على الأقل ـــــ هو في استمرار مظاهر تخلفنا في الضغط علينا ، ونحن لا نعي أنها مظاهر عدم امتثالنا إلى ما كان يجب من مراجعةِ أفكارنا وآليات تفكيرنا؛ فنحسب أن تسلط هؤلاء إنما هو من قوّتهم وقدرتهم، وليس من جهلنا وفقرنا وسوء إدارة عقولنا!
ما زال حراس الفشل يرفعون أصواتهم، ويأمرون الناس بالخروج إلى التهلكة متوكلين على الله، مع أن الأطباء كل الأطباء يأمرونهم، بل يأمرون السلطات لتجبرهم على الانعزال والتباعد الاجتماعي، والتماسف مع الآخر.
ما زال حراس الفشل يثيرون الغبار وراء كلماتهم كي يلفتوا الانتباه لوجودهم، فيفتعلون معارك الدفاع عن النبي وصحابته وآل بيته، ويعدّون الدعوة إلى القراءة دعوةً تحريضيّةً ضدّ النبي. وكأنّه من حقهم أن يلزموا الناس بمصدر واحد لمعرفة النبي أو صحابته أو آل بيته، فهو إما السردية السنية أو السرديّة الشيعية.!!!!
زمن الكورونا ، زمن التقدم لإخراج العقل من القفص المقدّس، وإطلاقه في الاتجاهات التي تقتضيها الضرورة، تحدوه أخلاقيات الكشف والحرص على إنسانية الإنسان، فلا يجوز التهاون، فإما أن تنتصر الحرية وإما أن تنتصر التبعية والاستزلام والهوان، بحجة حقوق الطائفة.
ما لم نربط الظواهر بأسبابها الحقيقية، لن نتخلص من أمراضنا الحضارية مهما بلغ شأن المنشآت العمرانية، والمؤسسات المعولمة، والحسابات المصرفية والمناصب الزائفة، و…..
ما يجب أن تنجلي عنه هذه المرحلة الكورونية، هو شجاعتنا على ثورتنا بالدرجة الأولى، فيكون شعارها الأعلى كرامة الإنسان في إنسانيته، ولا كرامة له في إلحاقه بأي قطيع. ولن تبقى له أيُّ صلةٍ بالإنسانية عندما يسمح لفلانٍ أو فلانٍ أن يتحدث باسمه دفاعاً عن حقوقٍ مزعومة، موهومة.
وما يجب أن تنجلي عنه هذه الجائحة الرائعة المتحالفة مع الثورة الجنينية، هو إسقاط النظام الطائفي بكل مفرداته وأفراده، والنظام المصرفي الربويّ بكل آلياته؛ وإن لم يحصل فستكون الكورونا حليفةَ الموبوئين وتابعيهم بإذعان إراديّ.
اللحظة هذه، لحظة مسؤوليةٍ تاريخية، ترفع مستوى التفكير، ومستوى الأحلام، ومستوى الاجتماع الإنسانيّ، تقدّمُ لنا جرعةً معرفية جديدة ينبغي أن يكون لها أثرها في سلوكنا الذهنيّ والحركيّ. وأيّ معلومةٍ لا تنعكس على الإنسان سلوكاً ذهنياً وحركياً جديداً؛ ليس لعلّةٍ في المعلومة، بل يكون الإنسانُ مشروعَ إنسان متعثراً باتباعيته أو بما يمليه القطيع المطمئنّ لما يُتوهَّم أنّه الحقيقة .