
الممر الجوي الآمن نحو الهدف الحاسم.. Checkmate

بقلم : إيهاب مهنا

في تحول استراتيجي غير مسبوق، دخلت إسرائيل مرحلة جديدة في صراعها مع إيران، متبنية تكتيك “فرّق تسد” داخل بنية النظام الإيراني، من خلال سلسلة اغتيالات دقيقة تستهدف قادة الصف الأول في الحرس الثوري. هؤلاء لم يكونوا مجرد ضباط، بل أركانًا أساسيين في المنظومة الحاكمة، يتمتعون بنفوذ واسع وامتيازات كبرى منذ عقود، على حساب تهميش الضباط من الوحدات التقليدية أو خارج دائرة الحرس.
تصفية هؤلاء القادة تهدف إلى ما هو أبعد من تفكيك القوة العسكرية؛ إنها محاولة لإحداث فراغ في مراكز القرار، وخلق اضطراب داخلي قد يعجّل بانهيار النظام عند أول تصدّع كبير. هذا النهج يخدم هدفًا بات أكثر وضوحًا من أي وقت مضى ألا وهو إسقاط النظام الإيراني من الداخل عبر ضربات استراتيجية قاتلة.
منذ 7 أكتوبر 2023، بدأت تتكشف معالم خطة متدرجة: أولاً، استُنزفت الأذرع الإقليمية التي بنتها إيران على مدى عقود، ثم بدأت المرحلة الهجومية. ومن بين أبرز الخطوات التي شكّلت نقطة تحوّل مفصلية، كان إسقاط منظومات الدفاع الجوي في سوريا عبر أكثر من 480 غارة جوية، ما مهّد لتأمين ممر جوي آمن لطائرات التزود بالوقود — وهي العقدة التي طالما قيّدت قدرة سلاح الجو الإسرائيلي في تنفيذ ضربات طويلة المدى على العمق الإيراني.
هنا تحديدًا، يمكن اعتبار هذه الخطوة ما يُعرف في الشطرنج بـ “الضربة القاضية” بمجرد تأمين هذا الممر، لم تعد السماء الإيرانية بعيدة، ولا الأهداف الحيوية في مأمن.
بالتوازي، سيطرت إسرائيل على قمم في جبل الشيخ (حرمون) من الجهة السورية، ما أتاح لها تفوقًا استخباراتيًا واستراتيجيًا على كامل المسرح السوري-اللبناني، ومهّد لمسرح عمليات جديد يتجه مباشرة نحو الداخل الإيراني.
واليوم، بدأت الضربات تصل إلى منشآت عسكرية ولوجستية شديدة الحساسية داخل إيران نفسها. وعلى الرغم من امتلاك طهران نحو 3000 صاروخ باليستي، تم استنزاف قرابة 1000 منها بين اطلاق وتدمير قبل الاطلاق في غضون الايام القليلة الماضية، ما يكشف عن ثغرات خطيرة في قدرة الردع. ويبقى السؤال: هل يصمد النظام الإيراني بما تبقى لديه؟ وإن فعل، فما هي أوراقه المتبقية؟ خصوصا، في ظل تراجع فعالية أوراق الضغط التقليدية ” كإغلاق مضيق هرمز أو استهداف القواعد الأميركية”.
تتقلص الخيارات أمام النظام الإيراني، وتبدو موسكو الملاذ الأخير الممكن في مواجهة الانهيار.
أما الرسالة الرمزية الأبلغ، فهي في اسم العملية الإسرائيلية: “الأسد الناهض”، في إشارة إلى شعار الأسد والشمس الذي كان يزيّن العلم الإيراني ما قبل الثورة. إنها رسالة واضحة المعالم ” الزمن الإيراني يتقهقر، والساعة تدق عكسياً”.