
نقولا أبو فيصل يكتب..”الخسارة الرابحة”

فكّر فيها!

بات بحكم المؤكد لي بعد التجارب ، أن ليس كل ما نخسره في لبنان يُعدّ خسارة . فثمّة خسائر تحمل في طيّاتها بركة، وتأتي متنكرة في عباءة الوجع، لكنها في جوهرها نعمة وتحرر، ونقلة نوعية نحو الصفاء الداخلي.نعم، في هذا البلد المجبول بالمفارقات، قد تكون الخسارة ربحًا خالصًا… متى خسرنا صديقًا حاسدًا أو قريبًا حاقدًا. فالصداقات عندنا تُبنى أحيانًا على المصادفة وتستمر بفعل المجاملة، لكنها تُختبر في لحظات التألق والنجاح… وهناك، تتساقط الأقنعة.
والصديق الذي يفرح لك من القلب صار نادرًا، بل دعوني أقول انقرض . أما ذاك الذي يحصي إنجازاتك بغصّة، ويقيس خطواتك بتوجّس، فهو حاسد بثوب الرفيق، وخسارته ليست خسارة، بل استرداد للطمأنينة.وماذا عن القريب؟ فليس كل من تجمعك به صلة دم هو بالضرورة سند . بعض الاقرباء هم عبءٌ على الروح وجسرٌ إلى الخيبة. والقريب الحاقد يقتات من فشلك ويتألم من نجاحك، ويُتقن التربّص في صمت الأقرباء.وحين يغادر حياتك لا تحزن… بل تنفّس الصعداء، فأنت تودّع خنجرًا كان مغروزًا في ظهرك دون أن تدري.

في لبنان، تعلّمنا أن الخسارة الحقيقية هي أن نُجبر على العيش وسط الزيف، لا أن نطرد الزيف من حياتنا . تعلّمنا أن نُقلّب صفحات الناس كما نُقلّب صفحات الجرائد، فنفرّق بين الخبر الصادق والإعلان المموّل بالحقد.فلتكن خسائرك صديقي القارئ هي بوصلتك. لا تخف من الوحدة بل خف من الصحبة المسمومة. ولا تتحسر على من غادر… بل قل له: شكرًا، لأنك أعفيتني من تمثيل دور لا يُشبهني. وفي النهاية، ليست كل الخسائر مرّة. بعضها كالجراحة… مؤلمة نعم لكنها ضرورية للشفاء.
نقولا ابو فيصل كاتب وباحث وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين
Nicolas Abou Fayssalاتحاد الكتاب اللبنانيين