كتب نقولا أبو فيصل “طول البال ومحاولات الاستفزاز”!

فكّر فيها!
طول البال… ومحاولات الاستفزاز
يقول المثل الشعبي: “طولة بالك تقتل اللي قبالك”. في هذه الكلمات البسيطة تختبئ حكمة العارفين وتجارب السنين، وتختصر فلسفة كاملة عن قوة الصبر وفضيلة سعة الصدر .هي ليست ضعفًا ولا خنوعًا، بل أعلى مراتب السيطرة على الذات، هي درعٌ لا يُخرق أمام الاستفزاز ومحاولات الإحراج المتعمدة، خاصة في لبنان حيث صارت الكلمات مثل الرصاص، وصار الحوار على شاشات بعض محطات التلفزة اللبنانية والعربية التي تتناول الشأن اللبناني أشبه بالمبارزة، خاصة حين يتعمد المذيع أو الضيف استفزاز المشاهد، لا عن جهل، بل عن قصدٍ مدروس أو رغبة في إثبات تفوقٍ زائف .
في هكذا حالات ، لا ينفع الرد السريع ولا الانفعال العابر. وحدها سعة المعرفة وسعة الصدر قادرتان على تحويل الموقف إلى مشهد يصفّق له الجمهور . فالإعلامي المثقف لا يُقاس علمه بكم المعلومات التي يمتلكها، ولا بالصراخ وإسكات من حوله، بل بقدرته على ضبط انفعالاته، وترويض لحظات الانفلات، وتحويلها إلى فرص للتأمل والردّ البليغ الهادئ. وكم من موقفٍ مُحرج، صبر فيه المحاور العاقل فانقلب لصالحه، وكم من لحظة أراد فيها الآخرون استفزازه، فإذا به يسمو فوقهم جميعًا، لا صمتًا بل اتزانًا.
سعة المعرفة، صديقي الإعلامي، تمنحك أدوات الفهم، وسعة الصدر تمنحك القدرة على الاحتمال. من يعرف قدر نفسه لا يُحرَج، ومن ارتقى فوق الصغائر لا يُخرَج من دائرة الوقار. كن واسع الصدر، عميق الفكر، وتذكر أن أقوى الردود أحيانًا تكمن في ابتسامة هادئة، أو في صمتٍ يربك أكثر من الكلام. ولا تنسَ مقولة المتنبي: “إذا أنت أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمرّد”. فكن الكريم إذا أساء الآخرون، وميّز دائمًا بين الجرأة النبيلة والاستفزاز الرخيص. سعة الصدر… أبلغ من ألف رد.
نقولا أبو فيصل ✍️كاتب وباحث وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين
www.nicolasaboufayssal.com













