أين أنت يا وطني!! بقلم: عمر شبلي*
في لبنان وطن يحبه الجميع ويقتله الجميع.. وكلٌّ يدّعي وصلاً بلبنان، ولبنان لا يُقرُّ لهم بذاكَ. نرسم له خريطة واحدة في الكتب المدرسية، وسياسيونا جعلوه خرائط كثيرة.
في لبنان وحدة وطنية في تصريح كل سياسي على التلفزيونات وفي خطاباتهم في البرلمان وفي زأس كلٍّ منهم مذهب وطائفة وتعصب وغايات تجعل الوحدة الوطنية عدة شغل وكذباً على الناس
في لبنان وطن لا وطن فيه ولا لبنان واحد. فيه.في لبنان أكثر من مئة لبنان، وربما نختلف على مساحة كل لبنان منها ولكننا متحدون على ملكية الأغراب له. ويقول كل واحد منهم في عالمه السياسي الداخلي اللصيق بمآربه المذهبية والطائفية: لكم لبنانكم ولي لبناني.
مساحة لبنان أوسع من أية دولة بوجوده على موائد الآخرين
ومساحته الحقيقية ليست أوسع من مناطقية كل منطقة فيه. تختلف المناطق باختلاف ملكيتها الخارجية وسعار المذهب والطائفة والسياسة. ويبدو أننا سيكون لنا أكثر من مئة مندوب في مجلس الأمن الدولي قريباً وقتها سيكون لنا أكثر من جيش ولن نكون بحاجة لقوات اليونفيل الدولية فنحن سيراقب بعضنا بعضاً. وربما سيصبح عندنا لبنان أكبر من لبنان آخر وهذا التوسع قائم بقوة الدولة التي تملك هذا اللبنان أو ذاك. ستكثر وقتها أصوات لبناناتنا على منابر الأمم،
وسيكون لنا أكثر من جنسية ومن جواز سفر عليه أرزة لبنان بجانب شعارٍ مرفوع للجهة المالكة هذا اللبنان.
وسنقول في كل احتفال أو جنازة: كلنا للوطن ، ولكن أيّ وطن!!!
وسنستمد شرعية لبنان اللاليتان من تاريخنا البعيد البعيد وسنؤلف مئات الكتب عن حرب البسوس وعن داحس والغبراء وعن معركة الجمل وصفين والحرب الأهلية التي حدثت في لبناناتنا، وكل لبنان سيرى أنه اللبنان الحقيقي مع أنه لم يكن هناك لبنان في أي صراع بيننا كنا نقاتل دفاعاً عن مالكينا الذين ليسوا في لبنان، وليسوا من لبنان.
كان كل لبنان من لبناناتنا يتهم لبنان الآخر بالعمالة والخيانة، وكنا وما زلنا نعلق صوراً لآخرين لا يعرفون من لبنان سوى أنه لبنانهم. وفي شوارعنا صور للأغراب تذهلك بتبعية من يرفعونها لمن هو ليس من لبنان العشرة آلاف وأربع مئة كيلو متر .
محطات التلفزيونات عندنا ذات أبعاد أبعد من لبنان . وبذكاء حامض مقرف تزين لبنانها وتزخرف مقولاته وتشهد أن لا لبنان إلّا لبنان وحده لا شريك له.
ذكاء محموم تشعر بالقرف وانت تستمع له وللمتبجحين بسلامة وسخافة مقولاتهم. وتتساءل هل مرّت على آذانهم كان وأخواتها وإن وأخواتها. لغتهم تذكرك حتى بعدم قواعد مراحلهم الابتدائية. وقتها تضغط على الروموت كنترول وتغلق التلفزيون وتبصق على زجاجته الملوثة بعد إطفائه بالصدى المقرف الذي يبقى متجولاً في أذنيك. وصار عندنا لغة تلفزيونية تختص بالشتائم وبذكر الأحذية والأعضاء التناسلية.
وبالمناسبة انا أعتقد أن هؤلاء الأفذاذ العباقرة لم يقرأ أحد منهم كتاباً خلال فترة توزيره وتزويره وخلال فترة نيابته عن اللبنان الذي ينتمي إليه.
انت تحار من حوار الطرشان بين “ممثّلينا”
وهم يستنبطون الحلول لهذا اللبنان الذي يشارف على الاحتضار.
والأغرب أنّ لكل لبنان من هذه اللبنانات المتشظية جمهوره المستميت في ولاءاته المأجورة والمذهبية والطائفية والسياسية. وبعدها تدرك أن المذهبية لا تنتج إلا الجهل والتخلف وأن الطا ئفية لا يمكن أن تكون وطنية. التعصب الديني والمذهبي هو مرض نفسي وعقلي يجعل الذين يؤمنون به أنهم على حق حتى وهم يذبحون الآخرين. إن الوطن الذي تقوده المذاهب والطوائف لا يمكن أن يصبح وطناً أبداً.
وطن بل أوطان تدار من الخارج بصفاقة وقلة حياء وتدخل سافر ونحن غارقون بوهم الانتصار. ولا ندري أبداً أي انتصار هو وعلى من .
التاريخ يسير إلى الأمام ونحن نعود للوراء.
الشعب الجاهل بحقيقة وطنه وسلامته ووحدته ينتج حكاماً يشبهونه بالجهل والتعصب والتخلف. وما أروع قول الشاعر:
لا يصلحُ الناسُ فوضى لا سُراةَ لهم
ولا سُراةَ إذا جُهّالهم سادوا
والبيتُ لا يُبتنى إلّا له عَمَدٍ
ولا عمادَ إذا لم تُرْسَ أوتادُ
الشعوب بحاجة إلى قيادات فذة تخلقها المواجع والصعاب، وهؤلاء القادة يأتون نادراً في التاريخ لندرة مواهبهم ولعملقتهم التي تصنعها فيهم الأقدار. نعم نحن بحاجة لقائد يمحو اللبنانات المتعددة لخلق لبنان واحد.
ولا بد أخيراً من ذكر إيجابية موجودة اليوم في لبناننا المنتظر ألا وهي جيشنا الواحد الموحد .فتحياتنا لجيشنا العظيم ونأمل أن يبقى لنا في زمن فقدنا فيه كل شيء
عمر شبلي: شاعر وكاتب وناشر مجلة المنافذ الثقافية
20/8/2025












