حدد الصفحة

د. علي زيتون يقرأ قديسة النرجس لخالد صالح.. اعطى الانثى منتهى اهتمامه

د. علي زيتون يقرأ قديسة النرجس لخالد صالح.. اعطى الانثى منتهى اهتمامه


يستوجب الدخول إلى عالم خالد صالح الشعري وقفة عند مفهوم الشعر تشكّل مدخلا يتيح للياحث أن يتعامل بعلميّة مع ما يقرأه من شعر. والذي أراه أنّ الشعريّة مرتكزة إلى ثلاثيّ شديد التماسك . المكوّن الأوّل هو رؤية الشاعر إلى العالم.ورؤية الشاعر قائمة على مجموعة من المكوّنات ترأسها الثقافة التي تجعل من الرؤية بصمة لا تدانيها أيّة بصمة أخرى. والمكوّن الثاني هو العالم المرجعي الذي أوجده الله متعدّد الأبعاد والأعماق، وما تلتقطه الرؤية منه عمق لايمكن أيّة رؤية أخرى أن تصل إليه، حتّى الرؤية التي التقطته مرّة لا يمكنها أن تلتقطه مرّة ثانية. فالجدّة هي العلامة الفارقة. أمّا المكوّن الثالث فهو اللغة التي عبّرت بها الرؤية عمّا وصلت إليه من أعماق العالم المرجعي. وبناء على ذلك فالشعريّة فرادة تدهش المتلقّي بما تريه إيّاه من جديد، وبما تسمعه إيّاه من كلام.
ويستدعي هذا الفهم للشعر والشعريّة أن نبدأ بالكيفيّة التي تصدّى بها خالد صالح لهذا المفهوم في نصّه الشعريّ .نجده قد تعامل معه منذ العتبة الأولى من بين عتبات مجموعته الشعريّة التي جاء عنوانها ” الشعر لغة النرجس” حيث يقول: << ولماذا لا تكتب إلّا الشعر؟ / لأنّني لا أعرف كيف أحبّها / بلغة عابرة>> (ص13).
يحمل كلامه هذا إشارة ضمنيّة إلى أنّ من أحبّ ليست أنثى عاديّة . فهي تحمل من التمايز ما تحمل . وتسويغ الشاعر هو كناية مزدوجة تومئ الأولى إلى أنّ خالدا عاشق أعطى الأنثى منتهى اهتمامه وخصّص لها كلّ ما يكتبه. وأمّا الثانية فهي حسبان الحبّ البالغ درجة العشق ( معرفة).ولا يمكن أن تقدّم هذه المعرفة إلّا بلغة ذات خصوصيّة تدعونا لتنسّمها .هذه اللغة ليست سوى الشعر القادر على الإمساك بحبّ ذي فرادة وخصوصيّة لا يمكن تعرّفها إلّا بالشعر. الشعر وحده القادر على تعويض القصور الذي تتصف به المفردات المعجميّة، ووحده يمكّن الإنسان من الكشف عن عمق من أعماق ينابيع التجربة الإنسانيّة العشقيّة المغرقة في التخفّي.
ويسأل خالد في قصيدته الأولى الموسومة بعنوان: ” الشعر نبيذ مالح”، قائلا: << من يقدر أن يلوي بالشعر ذراع الدمعةِ / كي لا تذرف ليلا نثريّ المعنى / ويحلّي بالشعر نبيذ الحزن المالح؟>> (ص 16)، واضعاالشعر في مواجهة ما يمكن أن يصبغ الحياة
2 / 5
بالمرارة، المرارةِ المرتكزة إلى ثنائيّة ( الدمعة/ الحزن). ذلك أنّ إسناد الفعل (يلوي) ل..(مَن) إسم الاستفهام الذي يجعل الفاعل مفتوحا على ما هو إحتماليّ مؤسِّسا لكناية تومئ إلى صعوبة ليّ ذراع الدمعة، الدمعةِ التي أضيفت إليها كلمة (ذراع) علامة القوّة والقسوة التي تمكّن ( الدمعة/ الحزن) من الحضور والمواجهة. والاستفهام يفترض وجود القوّة التي يمكنها أن تمتلك الذراع الأقوى القادر على المواجهة وليّ ذراع الدمعة. فالقويّ المواجِه هو الشاعر والذراع التي يمكنه أن يتغلّب بها على ذراع الدمعة هو الشعر . فالشعريّة هي الفرح والراحة النفسيّة.
ويذهب خالد في الكشف عن طبيعة الشعريّة مذهبا خاصّا بلغ تفاؤله به درجة جعلته يرى إمكانيّة ” إصلاح العالم بقصيدة”. إنّ إسباغ الوظيفة الإصلاحيّة على الشعر يكسبه هويّة المصلح التي تدفعنا لموازنتها بهويّة ما يثير الدهشة من خلال تقديم العالم جميلا وجديدا. وتدفعنا الموازنة لنسأل أنفسنا : إلى أيّ الهويّتين نميل بالقبول؟
يقدّم الشاعرأنموذجا عن الفعل الإصلاحي الذي رآه للشعر قائلا: << ذات مرّة حاصرني ذئب عجوز أسفل الوادي / أخرجت ريشتي وكتبت / بكى الذئب حينها / ومضى / الخراف بكت أيضا/ غير أنّها سارت خلفه / وتركتني وحيدا >> (ص18_19.)
إنّ الفعل ( حاصر) المسند إلى الذئب العجوز، والمتعدّي إلى ( ياء ) الشاعر المتكلّم يمثّل بالدرجة الأولى كناية تشير إلى العدائيّة التي تقوم بين الذئب الكاسر المتوحّش والإنسان، خصوصا أنّ المواجهة قد جرت في ( أسفل الوادي) الذي يمثّل المكان النموذجي والساحة المناسبة لشراسة الذئب والإفادة منها. فهل الذئب الذي أشار إليه الشاعر هو ذئب فعلا ،أم أنّه رمز يشير إلى توحّش بعض البشر؟ ويدفعنا هذا لنسأل: أوهل صحيح أنّ جماليّة الشعر تمكّنه من إسكات التوحّش وإلغائه من طباع بعض البشر؟ ومهما يكن من أمر، فإنّ هذا الذئب يذكّرنا بذئب البحتري الذي التقاه وحيدا في أثناء سفره ليلا:
كلانا به ذئب يحدّث نفسه بصاحبه والجدّ أتعسه الجدّ
3 / 5
إنّنا هنا أمام صراعيّة وجوديّة تبرز فيها قوّة فعليّة تواجه قوّة فعليّة مضادّة أخرى. فهل ينتمي ذئب خالد إلى النوع الحيواني الذي ينتمي إليه ذئب البحتري؟ إنّ مسافة واسعة تفصل بين الذئبين. ذئب البحتري ذئب حقيقيّ يحاول جديّا التغلّب على خصمه، أمّا ذئب خالد فإنّه ذئب مجازيّ يحمل بعدا رمزيّا يمثّل الإنسان الشرّير الذي يمكن تخليصه من عدوانيّته، خصوصا أنّه ذئب مسنّ تقدّمُه في العمرعامل إيجابيّ في إمكانيّة إصلاحه. ومعركة الشاعر خالد معه معركة بسيطة :<<أخرجت ريشتي وكتبت/ بكى الذئب حينها/ ومضى>>. إنّه انتصار الشعر على التوحّش. وبكاء الذئب استعارة تؤكّد الانتماء البشري لذئب خالد. وهذا ما يلغي الدور الإستعاري للبكاء؛ لتؤدّي الكناية دورا تعويضيّا بديلا عن الإستعارة فتشير إلى الوظيفة التي يؤدّيها الشعر، من خلال قدرته على التأثيروتحويل الإنسان الشرير إلى إنسان نادم على ما صبغ به سيرته . وجاء البكاء ليقدّم ذلك الندم تقديما مؤثّرا. وممّا يجدر ذكره هنا هو وجوب الإشارة إلى أن الشعر أقام مؤاخاة بين الخراف والذئب. ويشكّل هذا كناية تشير إلى ما تقوله العقيدة الإسلاميّة في آخر الزمان من أنّ سيادة الإسلام تؤدّي إلى مؤاخاة بين الذئب والشاة، بين القويّ والضعيف. ويدفعنا هذا لنثيرسؤالا مبدئيّا مفاده: هل يرى خالد للشعر بعدا نبويّا يمكنه إعادة إنتاج العالم، ملغيا المسافة بين القصيدة والدعوة السماويّة؟
ويبلغ عشق الأنثى عند شاعرنا حدود العشق العرفاني ، حين يقول: << هكذا أرتدي صوتكِ / قميصَ عشقٍ في كلّ الفصول / وأتعرّى من كلّ حزنٍ / حين تقولين : اشتقت لكْ…>>(ص 94).
إنّ إسناد الفعل ( أرتدي) إلى ضمير المتكلّم المستتر ، وتعديته إلى صوت الأنثى، أعطى ذلك الصوت هويّة القميص الذي يشيع الدفء في جسد لابسه. وإذا أضيفت كلمة (قميص) إلى كلمة ( عشق) أخرجت هذه الإضافة ( القميص) من هويّته بوصفه لباسا لتكسبه هويّة وجوديّة مختلفة تفعل فعلها التأثيري في كيان الشاعر. وممّا يجدر ذكره ، فإنّ الحزن في هذا النصّ قد أُعطِي هويّة اللباس المستغنى عنه. ولعلّ قول الأنثى للشاعر :<< اشتقت لكْ>> هو السحرالذي فعل فعله في نزع هويّات وإسباغ
4 / 5
هويّات بديلة على العالم المرجعي الذي حاول الشاعر قراءة أعماقه بلغته الشعريّة الفاعلة .
ويتوغّل خالد أكثر في عشقه العرفاني من خلال قوله:<<وحينما عشقتكِ / توضّأ قلبي بماء النرجسِ / وتوجّه بقِبلته / نحو أفق وجودكِ / يقيم صلاة الشوق / في كلّ صباح/ العاشق أيضا / فيه خصال السالكين>> (ص151).
لم تبق علاقة العشق التي يُفترض أن تقوم بين ذكر وأنثى على حالها المعهودة ، حيث تختبئ دوافع كثيرة في نفس العاشق أو العاشقة . في هذه التجربة التي يتناولها خالد بالقراءة والكشف يختفي الجسد الأنثوي الجذّاب من بين مكوّنات العلاقة العشقيّة. وأن تكون امرأة مدعاة للوضوء،يعني أنّ هذا الوضوء لا يتمّ بالماء،خصوصا أنّ هذا الوضوء قد أُسند إلى قلب الشاعر الذي أعطاه الوضوء هويّة العابد المتعبّد، فكان هذا الوضوء بماء النرجس، الماءِ العطريّ. ومن الجدير بالذكرأنّ عشق الشاعر هذه الأنثى لم يكن دافعا لوضوء القلب بماء الترجس فحسب، ولكنّه قام بما يقوم به الإنسان المتعبّد أيضا. قام بالتوجّه إلى قبلة مختلفة عن قبلة المتديّن . قبلته أفق وجود المعشوقة يتوجّه إليها كلّ صباح . لقد ارتقى الشاعر بالأنثى ليصل بها إلى أفق معرفيّ يحاول السلوك إليه ، خصوصا أنّ العاشق (فيه خصال السالكين). لقد دخلت الأنثى دنيا القداسة التي تنطق بوجوب الوضوء والتوجّه إلى قبلة لها سالكوها ولها ثقافتها ، ولها محاولة الوصول إلى معرفة الحقيقة المتدثّرة بالحال العشقيّة.
ويحاول خالد صالح قراءة هويّته البقاعيّة والكشف عنها قائلا : << أن تكون بقاعيّا / يعني أن تنجح بإقتاع السهلِ / أنّ النهر أحنّ عليه من ألف بحرٍ / وإذا ما غضب قإنّه لن يعاقبه بالرحيل >> (ص 20).
إنّ إضافة كلمة ( إقناع) الجدليّة إلى السهل تعطيه هويّة بشريّة تمتلك عقلا يقوم على قواعد منطقيّة . وإسناد الفعل ( تنجح) إلى البقاعي المنتمي إلى البقاع حقّا وتعديته بوساطة حرف الجرّ ( الباء) إلى ( إقناع السهل) تمثّل كناية تومئ إلى أهمّ ما يجب أن يتّصف به البقاعيّ من التعامل السليم والناجح مع السهل. ولا يمنح التركيبث اللغوي السهلَ وحده الهويّة البشريّة، إنّه يمنح النهر تلك الهويّة أيضا. وإسناد أفعل التفضيل
5 / 5
(أحنّ) بوصفه صفة، إلى (النهر) يمنح النهرعواطف ومشاعر إنسانيّة راقية بما يقيم علاقة تعاطف بين (النهر) في دور الأمّ و( السهل) في دور الطفل. والموازنة التي أقامها الشاعربين حنان النهر وحنان البحر تنفي أن يكون البحر مستعدّا للحنان. والعلاقة المائيّة بين النهر والبحر تومئ ، بشكل كنائيّ، إلى حاجة السهل إلى الماء الذي يتحكّم بتوزيعه ساكنُ السهل ، البقاعيُّ بالطبع . فهو الذي يوجّه قنوات الريّ حسب الحاجة، لتقوم بدورها في الإرواء الذي يمثّل حنانا في النصّن . ويذهب خالد في الكشف عمّا رآه في تكوين النهروأعماقه إلى عمق أبعد حين قال: << وإذا ما غضب لن يعاقبه بالرحيل >> ، بما يشير إلى أنّ الإساءة إلى النهر بما يغضبه ؛ لا تدفعه للقيام بمعاقبة المسيئ بالرحيل عن السهل. ويبقى أنّ في هذا النصّ إيماءة من الشاعر تمثّل قراءة لإمكانات البقاعيّ الأخلاقيّة التي تتعامل مع السهل والنهر معا .
ويبقى أنّنا مع مجموعة ” قديسة النرجس” لخالد صالح أمام نصّ شعريّ حقيقيّ يجعلنا نقدّرأنّ مسيرة هذا الشاعرمتّجهة نحو شعريّة واعدة.

المنظر لحالو بيحكي! مطعم و كافيه قدموس كاسكادا مول تعنايل للحجز 81115115 ‏ Our Online Menu: https://menu.omegasoftware.ca/cadmus Website: www.cadmus-lb.com #Restaurant #Cafe #Lakeside #CascadaMall ‏#5Stars #Lebanon #International #Fusion #Cuisine ‏#Royal #Zahle #SendYourSelfie #Halal #Mediterranean ‏#Lebanesefood #holiday #cadmusrestocafe #food #foodphotoghrafy #delicious #ribs #family #isocertificate #lebanese #yummy #tasty #Cadmus #waffles #wings

 

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com