نقولا أبو فيصل يكتب سيرته الذاتية وشريط حياته في أسطر وكلمات ليست كالكلمات
فكر فيها !
سيرة ذاتية … وشريط حياة في أسطر
تعمدتُ أن أقسو على قلبي لا قسوة الجفاء، بل قسوة الحارس على كنزه .أعرف أن أقسى ما قد يعيشه المرء هو أن يُجرح في الحياة ،لذلك اخترت أن أدرّب قلبي على الصبر قبل أن يختبره الزمن. وكنت أقول في سرّي : “قلبي يتحمّل شدّتي، لكنه لا يحتمل قساوة أحد” من هنا بدأت رحلتي في الكتابة وحوّلت أوجاع الناس إلى حروف، لتصبح الكلمات بلسمًا لغيري قبل أن تكون عزاءً لي .
في ممارستي مهنة التعليم أيقنت أن التربية ليست تلقينًا، بل بناء أرواح قادرة على مواجهة الحياة بوعي . في تجارب الحياة قرأت تفاصيل الناس كما تُقرأ الكتب، واستخرجتُ من كل تجربة درسًا يتخطى حدود اللحظة.
في الصناعة، كان لعقلي سطوة ولبصمتي أثر. صنعت الغذاء كمن يصنع الدواء في مصانع ضاهت المستشفيات في تصنيفها ، وحوّلتُ المنتج الزراعي إلى منتج عالمي وصل إلى بلدان الانتشار اللبناني. في ارمينيا كان التراب يبادلني الحنين، فغدت الزراعة عندي صلاة يومية تعلّمتُ منها أن كل ثمر يحتاج إلى صبر، وأن المطر لا يتأخر بل يأتي في أوانه. في عالم التجارة، أدركت أن المال وسيلة لا غاية، وأن الكلمة أثمن من الذهب. لم أساوم على الأمانة حتى حين أغرتني الأسواق بصخبها ، في عالم الأعمال لم أسعَ إلى مجدٍ شخصي، بل إلى مشاريع تُشبه روحي: متينة، صادقة، وبعيدة المدى.
جمعت بين هذه الأدوار بلا تناقض . الكاتب في داخلي كان يتغذّى من المزارع، والمربّي يستلهم من الصناعي، والمفكر يوازن بين التاجر ورائد الأعمال. كأن حياتي لوحة واحدة ألوانها كثيرة لكن إطارها واحد: قلب علّمتُه القسوة على ذاتي لا القسوة على الآخرين.وهكذا أعيش متعدّد الادوار لكن أكثر من ذلك: متعدّد الوجوه الإنسانية. أعرف أن القوة الحقيقية ليست في أن يُهزم أحد أمامي، بل أن أبقى واقفًا، مبتسمًا، مهما تعاظمت الجراح. ومنذ العام 2019 توليت مهمة خدمة الصناعيين، ورحت أسعى إلى مساندة من حولي من أبناء مهنتي مستنهضًا كل السبل لرفع الظلم عنهم، مؤمنًا أن رسالتي لا تكتمل إلا حين تمتد يدي لغيري كما امتدت يد الله إليّ في محطات لا تعد ولا تحصى ….
نقولا ابو فيصل كاتب وباحث وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين
www.nicolasaboufayssal.com












