حدد الصفحة

الدروز بين “حلف الدم” والتمسّك بالهوية

الدروز بين “حلف الدم” والتمسّك بالهوية

تجد الطائفة المعروفيّة نفسها، مرة أخرى، في قلب عاصفة إقليمية لا ترحم، حيث تتقاطع المصالح الكبرى وتتصارع المحاور على رقعة بلاد الشام الممتدة بين جبل العرب في السويداء، وجبال لبنان، والقرى الجبلية في الجليل والجولان.

فإن تحليل الموقف الحالي، على ضوء التطورات الأخيرة، يفرض علينا العودة للتذكير بالجذور والأدوار التاريخية للدروز والسياسات المنهجيّة التي اتّبعها الاحتلال الإسرائيلي لتفتيت النسيج العربي واستغلال الأقليات لمصالحه منذ تأسيس الكيان حتّى اليوم.

أولاً: الجذور التاريخية وتوحيد الهوية 

في فلسطين المحتلة عام 1948، وبموجب سياسة “فرق تسد”، سعى الاحتلال الإسرائيلي لسلخ الدروز عن محيطهم العربي. وفي عام 1957، اعترفت إسرائيل بهم رسمياً كمجتمع ديني منفصل، ثم فُرض عليهم التجنيد الإجباري في الجيش الإسرائيلي، وهو ما بات يُعرف بـ “حلف الدم”، ليصبحوا الأقلية العربية الوحيدة الخاضعة لهذا القانون، مما خلق ازدواجية غير مسبوقة: هم عرب قومياً، لكنهم يُستخدمون عسكرياً ضد أبناء جلدتهم، ويكاد يكون من الضروري التذكير ببعض الإضاءات التاريخية للموحدين الدروز في مسار المواجهة حالهم حال أخوانهم العرب:

القرن السادس عشر والسابع عشر (صعود القوة الدرزية): برز النفوذ العربي للأمير فخر الدين المعني الثاني، الذي أسس إمارة قوية شكلت مركزاً للقوة في بلاد الشام ووصلت تحالفاته حتّى حدود أوروبا، والذي عرف حينها بالتصدّي للاحتلال، وأطلق عليه “أمير بلاد العرب”.

عقود التوتر المبكرة (1830 – 1840): شهدت هذه الفترة تصاعداً في التوتر في شمال فلسطين، حيث تعرضت تجمعات اليهود المهاجرة إلى طبريا وصفد والجاعونة لهجمات واعتداءات من قبل الدروز للمحافظة على أرضهم بوجه الإستيطان، ما يعكس بداية الاصطدام الفعلي قبل الهجرة الصهيونية الكبرى، والإعلان عن الحركة الصهيونية بشكل علنيّ ورسميّ.

بداية الاصطدام الاستيطاني (ما بعد 1880): مع بدء الهجرات الصهيونيّة الكبيرة نحو فلسطين، تصاعدت الصدامات بين الدروز وباقي الفلسطينيين مع المستوطنين اليهود، بحيث أدت إلى طرد مئات الدروز إلى جبل حوران في سوريا (جبل العرب)، تزامناً مع نشوء المستوطنات في أراضيهم.

ثورة المطلة (أواخر القرن الثامن عشر): وهي قرية كانت ذات أغلبية درزيّة، مثّلت نقطة مقاومة مسلحة مبكّرة، بحيث اندلعت اشتباكات عنيفة رفضا للإستيطان الصهيوني المبكر ٱنذاك، ورفضا للاضطهاد العثماني والتجنيد الإجباري للشباب.

ثورة الكف الأخضر (1929): تُعدّ هذه الثورة أول كفاح مسلح منظّم في القرن العشرين، وقد انطلقت بشرارة من شكيب وهاب والأمير شكيب أرسلان بقيادة الشاب العربي الدرزي أحمد طافش من شمال صفد. هدفت الثورة إلى مقاومة الهجرة اليهودية والاستيطان جنباً إلى جنب مع مقاومة الاستعمار البريطاني آنذاك، لتؤطر المقاومة الدرزية ضمن المشروع الوطني العربي بشكل أبرز خاصة وأنها اعتبرت امتدادا لثورة سلطان باشا الأطرش.

المشاركة في الثورة الفلسطينية الكبرى (1936): اعتبرت هذه الثورة التي امتدت لعدة سنوات من أكبر الحركات الثورية الفلسطينية ضد الاستعمار البريطاني والخطر الصهيوني حينها، وقد شارك دروز فلسطين ولبنان وسوريا في هذه الثورة، حيث كان أيضا لشخصيات درزية دور محوري في نقل السلاح والدعم اللوجستي للثوار الفلسطينيين.

الدور في حرب النكبة (1948): انخرط الدروز من فلسطين وسوريا ولبنان في معارك حاسمة ضد العصابات الصهيونية، ومن أبرزها معارك هوشة والكساير مع ما سمّيَ حينها “جيش الإنقاذ” قبيل الإعلان الكامل لإقامة دولة إسرائيل. إلا أن معركة يانوح تُعدّ من الأحداث الفاصلة في تاريخ الدروز الفلسطينيين؛ حيث تروي الرواية الإسرائيلية نفسها، أن وحدة “الأقليات” الدرزية في الجيش الإسرائيلي (التي قبلت التجنيد) توجهت لاحتلال المنطقة، فقام أهالي المنطقة بمهاجمة القوة وكبّدوها خسائر فادحة.

رفض التهجير ومشروع الدولة الدرزية (1938 – 1944): سعت الحركة الصهيونية عبر ثلاث محاولات رئيسية للضغط على سلطان باشا الأطرش بهدف إقناعه بتهجير دروز فلسطين إلى سوريا. قوبل هذا المخطط برفض قاطع من كافة القادة الدروز. كما نجح الأطرش في إحباط فكرة إقامة دولة درزية مستقلة، مؤكداً على الوحدة الوطنية والعربيّة.

مرحلة “الكمالات الثلاثة”: تركز العمل الصهيوني لاحقاً على استغلال النفوذ السياسي من خلال شخصيات بارزة في المجتمع الدرزي، محاولين الدخول عبر كل من كمال كنج أبو صالح، وكمال أبو لطيف، وكان الهدف المحوري لهذه الجهود هو العمل، بشكل مباشر وغير مباشر، على بلورة فكرة إقامة كيان أو “دولة درزية” تفصل الطائفة عن محيطها العربي وتخدم الأهداف الجيوسياسية للاحتلال، ولكن بعد إبلاغ “الكمالين”، كمال جنبلاط بهذه المحاولة، عملوا مع أطراف عربية ودرزية عديدة لإبطاله وتعرّض الثلاثة بعد ذلك إما إلى القتل وإما السجن.

ثانياً: الدروز تحت الاحتلال: تناقضات الجولان

تتجسد قمة التناقض الدرزي في المشهد بين دروز الداخل ودروز هضبة الجولان السورية المحتلة منذ حرب حزيران 1967.

1. رفض الهوية القسرية (الجولان):

على النقيض من دروز الداخل (المجبرين بغالبيتهم)، ظل عدد كبير من سكان القرى الدرزية في الجولان المحتل متمسكين بهويتهم السورية.

رفضت الغالبية العظمى منهم الحصول على الجنسية الإسرائيلية بعد ضم الهضبة رسمياً بموجب “قانون الجولان” عام 1981، معتبرين أنفسهم مواطنين سوريين يعيشون تحت الاحتلال، وهو موقف تسبب لهم في سلسلة لا تنتهي من الضغوط السياسية والاجتماعية والإدارية. والرفض السياسي تجلى في مقاطعة الانتخابات المحلية الإسرائيلية، ففي مجدل شمس على سبيل المثال، شارك عدد ضئيل من السكان (272 شخصاً في انتخابات 2018) خوفاً من شرعنة الاحتلال.

2. معاناة التمييز والازدواجية (الداخل المحتل):

بالرغم من سرديّة “حلف الدم” وإجبار العديد من الدروز للولاء للدولة العبرية وخدمتهم في الجيش والشرطة، إلا أنهم لا يزالون يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية وأدنى.

تظهر التقارير والدراسات إسرائيليّة، أن التمييز العنصري يمتد ليشمل المؤسسة العسكرية ذاتها، حيث يتعرض الجنود الدروز للإهانة والتهميش على يد زملائهم وضباطهم اليهود، إضافة إلى استخدامهم كأدوات تفريق بين العرب في الأراضي للمحتلة بوضعهم بتماس مباشر كجنود مع الفلسطينيين في القدس مثلا، لزيادة الشرخ بين الجهتين وتصوير الدروز على أنهم جميعهم “متصهينيين”.

ثالثاً: صحوة الجيل الجديد ورفض التجنيد

تُعَدّ المعاناة الأعمق هي تلك التي يشهدها الجيل الدرزي الشاب، الذي بدأ يدرك حجم التضحية في مقابل الخذلان الإسرائيلي المتمثل في:

• قانون القومية الإسرائيلي (2018): الذي يكرّس يهودية الدولة ويحوّل الدروز، رغم خدماتهم وتضحياتهم، إلى أقلية غير متساوية حقوقياً.

• الخطر المحدق: مع اقتراب الصراع بين إسرائيل والجوار من مناطقهم، تحولت قراهم إلى جبهة حرب محتملة، كما حدث في تموز 2024 عندما سقطت صواريخ في مجدل شمس، مما أيقظ إحساسهم بأنهم مجرد وقود للصراع الإقليمي.

في مواجهة هذا المأزق، بدأت تبرز حركة “أرفض، شعبك بيحميك”، التي تدعو الشباب لرفض الخدمة العسكرية. وتؤكد الإحصائيات أن نسب رفض التجنيد في تزايد مستمر، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن أكثر من 60% من الشباب الدرزي باتوا يرفضون الخدمة الإلزامية، في دلالة واضحة على صحوة الهوية العربية التي ترفض التورط في قمع الشعب الفلسطيني، مفضلة الانتماء إلى مصيرها العروبي المشترك، وتأتي هذه الحركة كاستكمال لحركات تاريخيّة كانت قد بدات منذ إعلان دولة الاحتلال، يكاد يكون أهمها حركة عام ١٩٦٢ التي كان من أبرز مسوّقيها السياسي الفلسطيني سعيد نفّاع، بالرغم من معادلة “التحنيد مقابل سلب الأرض” التي استخدمها الكيان للضغط على الدروز من أجل الإمتثال للتجنيد.

المعاناة الحاليّة: بالرغم من “الحنوة” الإسرائيلية الصارخة التي يبرزها قادة الاحتلال على دروز سوريا اليوم، وإظهار تدخلهم المباشر في الأزمة الحاصلة بين أهالي السويداء والسلطة السورية الحالية على أنه حرص إسرائيلي على سلامة الدروز، والذي يعلم البعيد قبل القريب أنها عملية خبيثة يسعى من خلالها الكيان لتطبيق ما لم يستطع تطبيقه منذ عقود بتجنيد الدروز وتحويلهم من حماة الثغور العربية تاريخيا إلى حرس حدود لها ولتنقيذ مخططاتها الاستعماريّة والتوسعية في المنطقة، يعاني أهالي الجولان اليوم من تهجير وتدمير لمنازلهم وسلب لأراضيهم، وبذلك تعلو صرخة الدروز في الجولان لتحذير دروز السويداء من الوقوع في مستنقع صهيونيّ لن يكسبوا من خلاله إلا الدمار والخراب بشكل ممنهج كما يحصل معهم على مبدأ “من جرًب مجرًب كان عقله مخرّب”، وفي دعوة إلى التعقّل وفهم ما وراء ما يظهره الإسرائيلي للدروز من حرصٍ زائف مرددين بشكل رسميّ وشعبيّ “لا تضعوا أيديكم بأيدي الشيطان، ولا تخونوا دينكم أولا، وتاريخكم ثانيا”.

ختاما، وإنطلاقا من القول بأن “الموحدين الدروز في فلسطين المحتله أمام الدعاية والإعلام ليسوا عربا، أما أمام الواقع فهم عرب مئة في المئة”، تبقى صرخة أبناء الجولان الرافضين للجنسية الإسرائيلية، وحركة رفض التجنيد المتصاعدة، هي الدليل الأوضح على أن الهوية تنتصر في النهاية على محاولات التفتيت الجيوسياسي. والخلاصة تقول إن مصير هذه الطائفة مرتبط بشكل وثيق بأهلهم وأشقائهم العرب إلى حين عودة الحق لأصحابه في كل شبر من هذه الأرض.

المنظر لحالو بيحكي! مطعم و كافيه قدموس كاسكادا مول تعنايل للحجز 81115115 ‏ Our Online Menu: https://menu.omegasoftware.ca/cadmus Website: www.cadmus-lb.com #Restaurant #Cafe #Lakeside #CascadaMall ‏#5Stars #Lebanon #International #Fusion #Cuisine ‏#Royal #Zahle #SendYourSelfie #Halal #Mediterranean ‏#Lebanesefood #holiday #cadmusrestocafe #food #foodphotoghrafy #delicious #ribs #family #isocertificate #lebanese #yummy #tasty #Cadmus #waffles #wings

 

WP2Social Auto Publish Powered By : XYZScripts.com