“بيت بيروت” يستضيف ملتقى قهوة 3
أقام القائم بأعمال سفارة المملكة العربية السعودية الوزير المفوض وليد البخاري، عند الثالثة عصر اليوم، حفل استقبال “ملتقى فنجان قهوة الثالث” بعنوان “الإعلام المرئي والعيش المشترك”، برعاية وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال ملحم الرياشي في “بيت بيروت”- السوديكو.
حضر اللقاء وزير الدولة لشؤون النازحين في حكومة تصريف الأعمال معين المرعبي، وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال غطاس الخوري، النائبان طارق المرعبي ووليد البعريني، محافظ مدينة بيروت القاضي زياد شبيب، عدد من السفراء والقناصل العرب، الأمين العام ل”تيار المستقبل” أحمد الحريري، ممثلون وسائل الإعلام اللبنانية المرئية والمسموعة والمكتوبة وفاعليات سياسية واجتماعية وفكرية وثقافية وإعلامية.
شبيب
وألقى شبيب كلمة، فقال: “هذا الحضور المميز اليوم الذي يملأ بيت بيروت، يحقق الرسالة التي من أجلها وجد، ألا وهي رسالة الحوار والالتقاء وحفظ ذاكرة بيروت ولبنان عموما، وأيضا صناعة المستقبل من خلال أخذ العبر من التاريخ الغني بالمحطات السعيدة والمؤلمة”.
وإذ شكر وزير الإعلام في حكومة تصريف الأعمال ملحم الرياشي رعايته هذا اللقاء، قال: “إن الوزير الرياشي رائد في ثقافة الحوار والتواصل، حتى أنه رغب في تعديل تسمية وزارة الإعلام لتصبح وزارة التواصل، لأن المعرفة ونقل المعرفة عبر وسائل الإعلام ينبغي أن تكونا بالاتجاهين، لا في اتجاه واحد. وقد خبر وقدم دليلا على أن الحوار والتواصل من شأنهما صنع السلام”.
كما شكر القائم بأعمال السفارة السعودية الوزير المفوض وليد البخاري على “مبادرته”، واصفا إياه ب”الديبلوماسي الراقي، المميز بثقافته والمحب لوطنه ولبنان”، وقال: “الوزير البخاري أرسى نهجا جديدا من المقاربة والممارسة الديبلوماسية. لقد أحب جميع اللبنانيين وأحبوه، وبادر إلى هذا الملتقى بحلقته الثالثة اليوم، ورغب في أن يكون داخل مكان مليء بهذه المعاني التاريخية والشواهد على تاريخنا الحديث منذ العام 1926 حتى اليوم، لكي يكون موضوع هذه الندوة وهذا اللقاء، الذي يحمل عنوان الإعلام المرئي والعيش المشترك، في مكان يعبر خير تعبير عن الخلاصات، التي أعتقد أننا سنتوصل إليها اليوم”.
أضاف: “هناك دراسات وأدلة كثيرة تشير إلى أن الإعلام المرئي، ما زال يشكل إحدى الوسائل الأساسية في صناعة الرأي العام وفي المعرفة. أما اليوم فليس كما الماضي، حيث كان الجهل سائدا وتسبب بجهل الآخر، وأدى بالتالي إلى الكراهية والعنف والاقتتال. نحن نعيش في ظل المعرفة، وهي متوافرة بغزارة، وما زال الإعلام المرئي إحدى أهم وسائلها. ولذلك، هذا اللقاء اليوم هو حاجة كان ينبغي فعلا أن تتحقق”.
وتابع: “إن أحد أهم غنى بيروت هو التعدد والعيش المشترك والواحد، قد لا نكون أهم من غيرنا في التطور، الذي وصلت إليه عواصم العالم، في وسائل النقل والبنية التحتية والعمران، لكننا نفاخر بأننا عشنا تجارب أليمة وخرجنا منها منتصرين، بأن بقينا متمسكين بعيشنا المتنوع الواحد، وهذه رسالة يمكن أن نعممها على العالم أجمع. ولذلك، إنها تحتاج إلى صيانة دائمة وحوار دائم. ولهذا السبب، وجد هذا المكان، وتم الحفاظ عليه، وأبقيت فيه جراح الماضي”.
وأردف: “يختزن بيت بيروت ذاكرة لبنان وبيروت الحديثة، وهو معد ليكون متحفا للذاكرة، وأيضا مكانا للالتقاء والحوار، كما هو حاصل اليوم. بيت بيروت وتلفزيون لبنان لديهما قاسم مشترك، وهو حفظ الذاكرة الوطنية. ومن هنا، أتقدم من معالي وزير الإعلام باقتراح لصياغة تعاون مشترك والاتفاق على تبادل هذا المخزون من الذاكرة الوطنية وتثميره وجعله يؤدي المهمة الأساسية، التي يقوم عليها هذا المكان”.
وختم “اليوم، تلقينا المبادرة من سعادة القائم بالأعمال، لكننا عازمون في بيروت، المجلس البلدي وأنا، على المبادرة في صناعة برنامج دائم للحوار الوطني في هذا المكان وصياغته، وأتمنى من جميع الحاضرين والمثقفين وممثلي وسائل الإعلام، لا سيما المرئية، أن تواكبنا في هذه الرسالة، التي يفترض أن يؤديها هذا المكان”.
الرياشي
من جهته، قال الرياشي: “إنه بيت بيروت، بيت الحرب والسلام. ولو كان الإنسان يعرف أن كل حرب تنتهي بالسلام، لما كان لجأ إلى الحرب كوسيلة من وسائل الاتصال بينه وبين أخيه الإنسان، لكننا للأسف نمر في حالات من الفوضى العقلية تجعلنا نلجأ إلى الحرب، ربما لأن السلام يحتاج إلى اثنين، والحرب يكفيها واحدا”.
أضاف: “نتذكر قصة من الحرب العالمية الثانية عندما كانت تسقط الطائرات الألمانية ولا تعود إلى برلين كلما ذهبت في غارة على الحلفاء. لقد حاول المهندسون الألمان معالجة الموضوع ورأوا أجنحة الطائرة مصابة بكثافة، فعالجوها بالصفيح، إلا أن الأمور لم تحل، فأتوا بأحد العلماء من جامعة ميونيخ، وقال لهم إن الطائرات التي تصاب في الأجنحة لا تحتاج إلى صفيح بكل بساطة لأنها هي الطائرات التي تعود. أما الطائرات التي لا تعود فتصاب في مكان آخر من الطائرة، فتمت معالجة الموضوع، في مرات كثيرة، نرى المشكلة حيث يجب ألا تكون، ونعالجها بطرق مختلفة، فلا نصل إلى علاج”.
وتابع: “إن الإعلام يتحمل مسؤولية يجب ألا يتحملها في معظم الأحيان، لأن مهمته أن يعكس حركة الرأي العام وصورته. كما أن الإعلام يتحمل مسؤولية أخرى يجب ألا يتحملها، لأن مهمته ورسالته صناعة الرأي العام، وهي مهمة شريفة من مهمات الإعلام، وعليه أن يتحملها، وخصوصا الإعلام الأكثر جماهيرية أو الإعلام المرئي”.
أردف: “في بعض الأحيان، هناك مرآة مقعرة لا تعكس الحقيقة كما هي في بعض الإعلام، لكن الإعلام بمعظمه، لا سيما اللبناني، كان مرآة مسطحة تعكس الحقيقة كما هي، وتحمي في مؤسساتها العيش المشترك والحياة المشتركة بين اللبنانيين واللبنانيين العرب”، مستطردا: “رغم كل المآخذ على الإعلام من البعض والبعض الآخر، خصوصا في زمن الاحتراب أو المعارك الانتخابية، إلا أنه لا يمكن أن يتحمل مسؤولية المساس بالعيش المشترك، الذي صنعه اتفاق الطائف وارتضاه اللبنانيون، حتى كان آخرهم التيار الوطني الحر، حين ارتضاه خطيا في وثيقة إعلان النيات بينه وبين القوات اللبنانية”.
وشدد على أن “الإعلام لا يتحمل المساس بالعيش المشترك لا من قريب ولا من بعيد، إنما يحاول أن يضيء على مكامن الخلل في المجتمع، حماية لهذا العيش المشترك بكل ما أوتي من قوة، وحماية اتفاق الطائف التي ارتضاها اللبنانيون، هذه التسوية التي نعمل تحت سقفها لأجل حماية العيش معا، ولأجل حضورنا معا في السلطة السياسية، بالتكافل والتضامن والتكافؤ بين كل القوى والمكونات السياسية اللبنانية، التي تؤمن وتحمي حق الدولة الشرعية في احتكار السلاح على أرضها وحدها من دون سواها”، مؤكدا “هذه الوثيقة التي ارتضيناها جميعا، هي التي ترعى العيش المشترك. وعلى الإعلام المرئي، والإعلام عموما، أن يعالج هذه الرعاية من مقاربات مختلفة، تحمي الحرية التي هي أحد الأعمدة الأساسية لهذا الوطن”.
ورأى أن “الوطن لا يمكن أن يكون وطنا نموذجيا، ما لم يكن كما وصفه البابا القديس يوحنا بولس الثاني: وطن الرسالة، رسالة الحق والحرية”، لافتا إلى أن “الحرية ولبنان صنوان لا يفترقان. وبما أن الحرية الإعلامية والعامة تتعرض إلى بعض الأعطاب، فهنا لا بد أن أشير إلى أمر واحد، أن الحرية في مفهومي لا حدود لها ولا سقف، لأننا حين نضع لها سقفا، فكأننا نضع لها قضبانا، والحرية لا تعيش خلف القضبان، لكن لها معيارا واحدا، أؤمن به على الأقل شخصيا، وكمجموعة سياسية، هو الأخلاق واحترام حرية الآخر، وهما يشكلان أساسا لاحترام حريتنا وحمايتها”.
وقال: “نحن نحمي البلد حين نحمي حرية الآخر في التعبير، ولا يمكن تحقيق هذا الاحترام، إلا من خلال الأخلاق المهنية للاعلاميين والعامة، وكل الناس الذين يتواصلون في عصر من الطوفان الإعلامي، الذي يحتاج في معظم الأحيان إلى التحقق من معلوماته، نتيجة وجود وسائل التواصل وانتقال الفكر والعلم والثقافة، وحتى صالونات القرى، إلى وسائل التواصل”.
وختم “شكرا على فنجان القهوة اليوم، الذي هو ليس برازيليا ولا تركيا، إنما هو لبناني وعربي سعودي. وأوجه التحية إلى ثلاثة من اللبنانيين الكبار، الذين ساهموا في صناعة التسوية ودفعوا ثمنها، وهم البطريرك نصرالله صفير، سجين الحرية والطائف سمير جعجع وشهيدنا الكبير رفيق الحريري”، موجها تحية شكر “للمملكة التي استضافتنا في بلدها الثاني، لترعى هكذا لقاء، وتهتم به بشكل أخجلتنا، لأننا لم نسبق أن اهتممنا به، وأخجلتني شخصيا، لأني لم أناضل وأقاتل يوميا على المستوى الشخصي من أجل التواصل والحوار في يومياتي وحياتي”.
البخاري
وألقى البخاري كلمة، فقال: “في لقائنا هنا رمزية لا تخفى عليكم، بيت بيروت، صرح شاهد على الحرب لإرساء السلام، والعبرة فيه ومنه لا تزال قائمة أمامنا جميعا، تدل على الحياة كما على الاندثار والفناء، وعلى الحرب كما على السلام. وإذا نظرتم من حولكم، للاحظتم الثقوب في الجدران. إنها ندوب الحرب على جسد لبنان العربي. وكل منها يروي قصة ألم وحقبة سوداء، عايشها هذا البلد طوال خمسة عشر عاما. “بيت بيروت” يشهد على نتائج السلاح غير الشرعي في لبنان، الذي أدى إلى هلاك البلد وتدميره، وتغييب منطق الدولة وسحق مؤسساته”.
أضاف: “الإعلام المرئي والعيش المشترك”، عنوان تم اختياره لملتقى فنجان قهوة الثالث برعاية معالي وزير الإعلام ملحم الرياشي، الذي نستعرض فيه معا المسؤولية المشتركة بين نخبة من رؤساء البعثات الدبلوماسية ومتخصصين أكاديميين في الشؤون الإعلامية، وبين دور الإعلام المرئي بهدف تعزيز مكتسبات العيش المشترك والتصدي لكافة التهديدات، التي تستهدف النيل من بلادنا العربية، وتسعى لتقسيمنا على أسس طائفية وعرقية ومذهبية”.
وتابع: “اتفاق الطائف تشرفت بلادي، المملكة العربية السعودية وقيادتها الحكيمة، برعاية واحتضان الجهود الجبارة، التي عملت على إتمامه، كان في السياسة والتاريخ مثلما كان بيت بيروت، الذي نحن فيه اليوم، في رقعته الجغرافية…نقطة فاصلة بين نقيضي السلام والبلاء، والعيش الواحد والتقسيم. فعين القناص كانت تبحث عن دماء تنشر ثقافة الرعب والموت. اليوم ومن الثقوب نفسها، نوجه رسالة عربية إلى العالم بأن استقرار لبنان كان وسيبقى أولوية اللبنانيين والعرب، وإننا لا نرى من ثقوب “بيت بيروت” سوى ثقافة الحياة والتواصل والحوار والعيش المشترك”.
وأردف: “لا يهمنا في المملكة العربية السعودية، سوى أن يبقى لبنان سيدا حرا عربيا مستقلا آمنا مزدهرا، وأن يستمر إلى الريادة، التي لطالما ميزته في الانفتاح والابداع والثقافة والفنون والإعلام، وأن يبقى وطنا لأهله، كل أهله، ومقصدا وموئلا لكل محبيه وأشقائه وعشاقه العرب”.
وختم “من داخل هذه التحفة العمرانية والهندسية، التي حولها لبنان إلى متحف يوثق الحرب الأهلية، نفتتح ملتقى فنجان قهوة الثالث، مؤكدين أهمية العيش المشترك في لبنان المتميز بتعدديته وتنوعه الطائفي، وبحرية الرأي والتعبير، شاكرين كل من ساهم في هذه المبادرة”.
الجروان
بدوره اعتبر رئيس “المجلس العالمي للتسامح والحوار” أحمد الجروان أن “لبنان عروس البحر المتوسط وزهرة الوطن العربي البيضاء، وهو الذي أعطى الدرس المتميز للوطن العربي، بأنه بكل مكوناته سيبقى المخزون المهم جدا للوطن العربي، بتقديم دروس في التسامح والسلام”.
وأكد أن “لبنان سيبقى جامعا لكل الوطن العربي، قبل أن يجمع الداخل اللبناني، الذي هو داخل متصالح ومشارك في صناعة لبنان القادم”.