حسن أم صلاة العيد في عبيه: نريد للعهد تحقيق ما يتوخاه اللبنانيون
أم شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، صبيحة عيد الاضحى المبارك، الصلاة في مقام الأمير عبدلله التنوخي في عبيه، في حضور عدد من الفاعليات الروحية والاجتماعية والأهلية، وألقى خطبة العيد قال فيها: “إنه صباح مبارك، صباح الأضحى الموسوم بدلالة الطاعة والتسليم لمشيئة الله عز وجل، المعبر عنه بالقربان (وهو النحر) الذي يتقرب به العبد إلى خالقه لإيمانه به وتوحيده له على أنه الحق والعدل وغاية الهدى. ولا يجوز أن يكون فعل التقرب المشهود هذا إلا ثمرة النية الصادقة الطيبة. قال تعالى في كتابه الكريم “واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لاقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين” (المائدة 27)، وهذا يجب أن يكون من البداهة في وعي الدين وفقا لما شاءه الله عز وجل بحكمته، وهو وجوب التحلي بلباس التقوى إن كنتم تعلمون، وإن كنتم من أهل الإخلاص والوفاء والصدق والإيمان الذي “لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد” (فصلت 42).
أضاف: “ما يريده الله جل جلاله من عباده المخلصين هو التقوى، “لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم” (الحج 37). والعيد معقود منذ آلاف السنين على هذا المعنى، والأولى بعباده الصالحين أن يكون وقوفهم في مقام الأضحى المبارك وقوفا شجاعا للنفس أمام مرآة كلام الله ودلالاته المحمولة “بلسان عربي مبين” (الشعراء 195). وإن انعدمت التقوى فسد الخلق، وبفساده ينكب الإنسان على ما ينزع إليه بإملاءات هوى النفس الأمارة، وهذا بداية انحطاط لا يلبث أن يصيب العائلة والمجتمع والبلد والأمة. فتسقط المروءة وتتسلط النزغات الفردية والعصبية الجاهلية على كل المفاهيم السامية التي بها يكون الإنسان إنسانا عاقلا حكيما لائقا على قدر المستطاع بنعم الله الكريم الحكيم. لذلك قيل: “وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت”. وإذا مست القلوب معاني العيد وغايات الدين الحنيف من هذا القصد، تراها متدرعة بالفضائل والمسالك الحميدة والأخلاق العالية سبيلا إلى رضى الله مثمرة وموفقة ومتوجة بالصلاح والفلاح. هذا أمر يصيب المجتمع والأمة حيث أن صلاح النفوس هو المقدمة الضرورية لصلاح الحال، وكلما تربع المرء فوق سدة المسؤولية، في الشأن العام خصوصا، كان مطالبا بالإصلاح في ذمته وبضميره أمام الذات وأمام الناس، والأخطر من كل هذا أمام الله الحكيم العادل”.
وتابع: “ان كان من رسالة في هذه المناسبة لابناء بلدنا الحبيب لبنان فإننا ندعو تكرارا إلى التمسك بقوة بكل التوازنات التي أعطت لبلدنا صورة بلد في الحقب الماضية. التمسك بقوة بمبادىء الحوار والتسوية العادلة والروح الميثاقية الصادقة، والمصالحة الوطنية، التمسك بقوة بكل ما من شأنه تمتين أسس العيش المشترك، بل “العيش معا” كلبنانيين سبق أن ذاقوا مرارة الحروب والتطاحن العبثي القاتل. التمسك بوحدة الجيش وطنيا. وان ندين ونرفض كل اصوات التحريض واثارة الغرائز والفتن. وما من عهد ينجح في لبنان ما لم تكن هذه في صلب رؤياه وقراراته. ونحن نريد صادقين لهذا العهد أن يحقق ما يتوخاه اللبنانيون ويحلمون به. ولا يمكن أن نسلم بأسلوب المناكفة لإدارة حكم أي بلاد، وهو عينه أسلوب المضي قدما إلى جرف الهاوية من دون استشعار الضرورة التي تمليها المصلحة الوطنية العليا. إنه من المستهجن أشد الاستهجان أن تفشل القوى السياسية، التي رسمت خريطتها نتائج الانتخابات الأخيرة، في تشكيل حكومة في هذه الظروف البالغة الخطورة سياسيا وأمنيا واقتصاديا وإقليميا. ومن المؤسف ان نرى في بلد الرسالة ثقافة تبعد عن ادب المخاطبة”.
وقال: “عالمنا اليوم، بصيغة التباس المفاهيم فيما كان يسمى “النظام الدولي”، يسير في الطرق المعكوسة لكل القيم الإنسانية المتعلقة بحقوق الإنسان ومصائر الشعوب في الدول النامية. ونحن لا يمكن أن نسلم بواقعية تستهر بأرواح الأبرياء ودمائهم. ولا يمكن أن نسلم بالجريمة ذريعة لتحقيق المصالح. ومع الاضحى نرفع الصلاة من اجل حرية مخطوفات بلدة شبكي في سوريا، آملين سماع مواقف حازمة من المرجعيات الكبرى تجبر خاطفي النساء على التعقل واحترام القيم الاسلامية والانسانية. إننا نعيش في هذه المرحلة الدقيقة بالذات تحديات تكاد تكون هي الأصعب في تاريخ وحاضر أبناء دوحة التوحيد، ولكن جذور الموحدين الدروز عميقة في هذا الشرق وستبقى بعونه تعالى. لقد صقل الموحدون قلوبهم بمعاني الكتاب، ونفوسهم بالاعمال الطيبات ، وسيوفهم دفاعا عن الامة وعزتها ولم يقبلوا يوما الخروج عن شهامة المعروفيين. نداؤنا الى الجميع التنبه والحذر لمواجهة الدخول في اتون التفتت والتقاتل والعصبية والتفرقة التي يسعى اليها المغرضون. وان نكون في موقع الحرص كل الحرص على التكاتف والتعاضد وجمع الشمل”.
وختم حسن: “الأضحى المبارك، في جوهر معناه، هو أن تبذل من نفسك ما يرضي الله. وما يرضيه هو الخير في الناس، والعدل في الرعية، وتوخي الحق في كل الأمور. هذه رسالتنا اليوم وفي كل يوم إلى مجتمعنا وإلى بلدنا وإلى أمتنا وإلى عالمنا مهما عصفت به حجب الظلام. سائلين الله تعالى أن يحيط أهلنا في جبل العرب، وفي كل سوريا، وفي فلسطين، وأمتنا الإسلامية جميعا، بصونه وحفظه وعين رعايته، إنه هو نصير المظلومين، ومعين المؤمنين، لا إله غيره ولا معبود سواه”.