«درج الزويتيني».. ألوان الحياة
للوهلة الأولى، يعتقد الناظر إليه من بعيد أنه أمام لوحة فنية أبدع راسمها، أو منحوتة ملوّنة من الحجر أتقن صانعها وأجاد. وكلما اقترب منه، وجد نفسه مستأنساً بالمكان مأخوذاً إليه. حتى إذا ما وصل إليه شعر أنه أصبح جزءاً منه متفاعلاً. رغم أنه كما كثيرون غيره، سبق ومروا بالمكان نفسه قبل أيام وعلى مدى سنوات طوال من دون أن يلفت نظرهم أو يستوقفهم فيه حجر أو بشر.
تستوقف العابرين من وإلى حي الزويتيني في صيدا القديمة هذه الأيام تلك الألوان التي يرتديها الدرج الأطول في صيدا القديمة والمُسمى درج «الزويتيني» الذي يبدأ من الحي المذكور ويصعد شرقاً ليصل بمحاذاة بيت الرئيس رياض الصلح التراثي وقلعة صيدا البرية ثم ينحدر شمالاً باتجاه مكتب الآثار أمام مدخل القلعة.
زخارف ورسوم متعددة الأشكال والألوان وضمن نشاط تحضيري لمهرجان ثقافي فني، حوّلت درج الزويتيني إلى حديقة غنّاء رغم أنه لا زرع ولا ورود فيه إلا ما نبت على جانبي الدرج، وكأنّ ربيعاً غير مُعلن اجتاح المكان وألبسه بساطه الملون، فأضفى على طابعه التراثي رونقاً وجماليةً وأعاد له وهجه وبعضاً من ذاكرته التي هي جزء من ذاكرة وتاريخ الأمكنة في المدينة القديمة ومن ذكريات كبارها.
أكثر من انطباع يحمله الزائر لدرج الزويتيني بحلته الملونة هذه. فرتابة الحياة اليومية وضغوط مشاغلها وهمومها تفقدك في كثير من الأحيان حتى الشعور بالمكان الذي تمر فيه – يومياً – إلا إذا طرأ عليه طارئ أو أصابه بعض تغيير. فكيف إذا كان للمكان نفسه قيمة إضافية إلى كونه ممراً أو محطة ننتقل عبرها من منطقة لأخرى وأفقده هذه القيمة عدم الاهتمام حيناً وعدم تظهيرها أحياناً ليبقى مجرد اسم يطلق على حي أو منطقة.
والأمر الآخر أن ثمة كنزاً تختزنه حجارة وجدران المدينة القديمة لا يحتاج منا إلا إلى نفض الغبار عنه وإعادة بعض البريق إليها عبر الاهتمام بها وإضفاء بعض من روح فنان ولمسة مبدع ومؤانسة إنسان لتتوهج بالحياة.
يعود تاريخ درج الزويتيني في صيدا القديمة إلى العهد العثماني. وبحسب الباحث في تاريخ صيدا الدكتور طالب محمود قرة أحمد، فإنه قبل زلزال العام 1956 الذي دمر جزءاً من صيدا القديمة بما فيه حي الزويتيني الذي كان منطقة مغطاة بالأبنية القديمة، كان هذا الدرج يربط منطقة القلعة البرية بالحي المذكور ويوصل خارج المدينة القديمة بداخلها، وكان يطلق عليه اسم «طلعة سطوح المعصرة» نسبة إلى معصرة قديمة للزبيب كانت قائمة في تلك المنطقة. أما الاسم، أي الزويتيني، فيعيده قرة أحمد إلى إحدى روايتين، الأولى تقول إنه نسبة إلى عائلة الزويتيني التي كانت تعيش قديماً في سوريا وبلاد الشام وتعود في أصولها إلى الخليفة عمر بن الخطاب، ونظراً لوجود مقام بالاسم نفسه «الزويتيني» في المكان. والرواية الثانية تقول إنه سمي كذلك نسبة لنبتة كانت تزرع فيه شبيهة بالزيتون.
رأفت نعيم/المستقبل