عشية الإستقلال الدولة تسجن أهلها
على صعوبة اجراء احصاء تقديري دقيق لاعداد السيارات والمواطنين الذين علقوا في يوم جهنمي تحولت معه كل مداخل بيروت ووسطها والمناطق المتفرعة منها الى سجون عملاقة بفعل يوم الحشر الذي تسببت به التمرينات العسكرية على عرض الاستقلال في جادة شفيق الوزان، فان الوقائع تثبت ان عشرات الوف السيارات وربما مئات الوف الاشخاص واجهوا أمس أسوأ ما عرفه لبنان من ازمات واختناقات مرورية التي فضحت على اسوأ وجه صورة الدولة الغائبة والمغيبة والفوضى العارمة افتقدت معها تماماً ادنى معايير التنسيق في ازمة كهذه . صحيح ان الجيش يحظى بسمعة المؤسسة الاكثر اجتذاباً لتعاطف اللبنانيين وانشدادهم الى تضحيات هذه المؤسسة الكبيرة والاساسية ، ولكن صحيح أيضاً أن يوم الاذلال الذي اخضع مئات الوف المواطنين وتسبب باظهار اسوأ صورة لـ”معتقلات “عملاقة للسيارات والركاب على أوتوسترادات لبنان وعاصمته اساء ايضا الى الجيش الذي سارع الى الاعتذار من المواطنين واعلن تعديل برنامج الايام المتبقية من التمرينات بحيث تجري اليوم والثلثاء الذي يصادف عطلة عيد المولد النبوي بدلاً من اليوم والاثنين.
وفي أي حال، باتت كارثة الاختناقات المرورية على مداخل بيروت وفي وسطها ومناطقها تطرح بالحاح قضية عجزت عنها الدولة في افضل الحقب التي توافرت لها لتعير هذه الازمة الاولوية التي تستحق، فكيف بواقع الدولة الغائبة والعاجزة راهناً مع ازمة تعليق تشكيل الحكومة الجديدة المنذرة بتداعيات على كل المستويات بدءاً بتردي مطرد للخدمات الاساسية ؟ كما ان الصورة الكارثية التي ظللت لبنان أمس لم تقف عند حدود يوم الحشر المروري بل اتسعت لتشمل كارثة فيضان ضربت منطقة الرملة البيضاء حيث فاضت المياه في مجاري تصريف الامطار وتسببت بفيضان حقيقي اجتاح الشوارع . وقرر المجلس البلدي في بيروت بعد اجتماع استثنائي برئاسة رئيسه جمال عيتاني اجراء تحقيق مفصل في طوفان المجاري وخطوط تصريف مياه الامطار وخصوصا في جادة الرئيس رفيق الحريري.
وسط هذه الصورة الشديدة القتامة، عكس تصريح لوزير التربية والتعليم العالي مروان حمادة لـ”النهار” المناخ الذي يتخبط فيه لبنان اذ قال: “امام حظر التجول المفروض من الدولة على المواطنين نرى من العيب الاحتفال بالاستقلال في وقت تمنع فيه لعبة الامم تعيين وزير عندنا”. واذ لاحظ “اننا نتحول بسرعة الى وكلاء تفليسة عامة”، شدد على انه “لا بد من وقف هذه العملية والتصدي لها وربما يقتضي الامر وقف تصريف الاعمال وفرض تشكيل حكومة جديدة في اقرب وقت”.
وغرّد رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان عبر حسابه على موقع “تويتر” قائلا: “بئس الايام التي جعلت بعض المواطنين يلعنون الاستقلال بسبب تعطيل السير بدلا من لوم الذين يعطلون كل البلد. الاستقلال نعمة يجب السعي الى جعله ناجزاً”.
والواقع ان المشهد السياسي بدا غارقاً بدوره في دوامة الجمود والشلل التي أحكمت حصارها على عملية تأليف الحكومة الجديدة والتي عبرت عنها مصادر سياسية معنية بالازمة بتأكيدها ان الاسبوع المقبل سيشهد تظهيراً دراماتيكياً للازمة من خلال احياء ذكرى الاستقلال بحيث لن تكون هناك حكومة جديدة ولن تكون هناك أيضاً أي ملامح واعدة بامكان حصول اختراق في الازمة قبل عيدي الميلاد ورأس السنة الجديدة اذا ظلت السقوف العالية تحكم مواقف المعرقلين لولادة الحكومة . ولفتت الى ان ثمة ملامح طارئة وغير مشجعة كثيراً على صعيد موقف الحكم من تمثيل النواب الستة السنّة من فريق 8 آذار تتمثل في رفضه ان يكون الحل على حساب حصته الوزارية، ومن ثم صدور اشارات خافتة الى عدم ثباته في دعم موقف الرئيس المكلف سعد الحريري من هذه العقدة . ولاحظت المصادر ان قصر بعبدا لم يصدر نفياً لكلام صدر عن احد النواب الستة ونسب فيه كلاماً الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لدى استقباله للنواب أبدى فيه انتقاداً لموقف الرئيس الحريري من تمثيل سنّة 8 آذار في الحكومة . حتى ان وزير الخارجية جبران باسيل الذي كلّفه رئيس الجمهورية المبادرة الى تسويق المخارج الممكنة لحل هذه العقدة، لم يقدم أي حل يمكن ان يجتمع عليه طرفان. وبحسب مصادر مواكبة للاتصالات التي تبدو حتى الآن عقيمة، سعى باسيل الى اجتراح حل شبيه بحل العقدة الدرزية، أي أن يتم التوافق على اسم وسطي يأتي بطرح النواب الستة لائحة من ستة اسماء تصنّف مستقلة، ليختار واحداً منها رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وجرى تداول عدد من الاسماء القريبة من النواب الستة . الا ان كل هذا الطرح لم يلتق عليه اثنان. وتقول المصادر إن رئيس الجمهورية وباسيل ليسا في وارد إعطاء هذا المقعد من الحصة الرئاسية، ولا النواب الستة التقوا على القبول بتوزير غير واحد منهم، ولا الحريري قبل بتوزير أحدهم في حكومته. من هنا، أن الحركة التي قادها باسيل، في لقاءاته مع رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلف ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط كما بعض نواب “اللقاء التشاوري” منفردين لم تنته بعد، ولم تثمر طرحاً قابلاً للحياة، وتشير المعلومات الى انه ركّز مسعاه على إزالة التشنجات القائمة بين القوى السياسية، وتهدئة الأجواء.
الحريري وجنبلاط
اما جديد التحركات المتصلة بالازمة، فكان اللقاء الذي جمع مساء أمس الرئيس الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط والنائب وائل ابو فاعور الى عشاء في أحد مطاعم بيروت. وتركز البحث خلال اللقاء على آخر التطورات السياسية ومسألة تشكيل الحكومة.
وكان الحريري اعرب عن “إيمانه بقدرة لبنان على الخروج من الجمود السياسي الذي يعيشه”، لافتا إلى أن “البلد تمكن من الخروج من أزمات أصعب بكثير في السابق”. ودعا الجميع إلى “العمل معاً لأن يداً واحدة لا تصفق”، مبرزاً “أهمية دور القطاع الخاص بالنهوض بالبلد”. وأضاف: “كان مؤتمر “سيدر” ناجحاً بالفعل من أجل لبنان، وقد تمكنا من تحصيل تمويل كبير لمشاريع البنى التحتية، ميزته أنه تمويل طويل الأمد بفوائد مخفضة جدا، وهذا يسمح لنا بأن نجدد كل البنى التحتية لدينا ونؤمن التمويل لكل ما نحتاج اليه من مشاريع. وقد كنا في المجلس النيابي السابق والحكومة السابقة، أقررنا العديد من القوانين للنهوض بالاقتصاد. أما اليوم فإننا نعيش أزمة سياسية، ونأمل إن شاء الله أن تحل”.
النهار