جنبلاط يصعّد… فهل من تبدّل في موازين القوى؟
كان رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب السابق وليد جنبلاط التزم- منذ حوادث 7 أيار 2008، التي انتشر خلالها مسلحو حزب الله في شوارع بيروت واتجهوا الى الجبل- سياسة “ربط نزاع” وتهدئة مع الضاحية، حفاظا على السلم الاهلي والاستقرار. فابتعد طوال الحقبة الماضية عن التصويب عليها في خياراتها الاستراتيجية الكبرى، لاسيما في ما خص تحالفاتها مع ايران والنظام السوري وامتلاكها السلاح وقتالها في سوريا(…)، متفاديا اية مواقف “استفزازية” يمكن ان توتّر العلاقة بين الجانبين، مكتفيا ببعض “السهام” غير المباشرة من وقت الى آخر.. الا ان زعيم المختارة خرج منذ ايام من هذه الخانة، فتحدث للمرة الاولى بكلام قاس وعالي السقف عن الحزب وايران ودورها السلبي لبنانيا. فهو حمّلهما مسؤولية تعطيل ولادة الحكومة عبر استحضار “جن” الوزير السني المستقل، ورأى أن “عرقلة تشكيل الحكومة من باب افتعال العقدة السنية تأتي في إطار رد فعل إيران وحزب الله على العقوبات الاميركية الاخيرة. وبالتالي، فإنّ عملية تأليف الحكومة أصبحت ورقة ضمن إطار النزاع الاميركي الايراني”. وفيما لفت الى أن “ايران تعاقبنا ايضاً من خلال التأخير في الافراج عن الحكومة في إطار المواجهة مع الولايات المتحدة”، رفض تطبيع العلاقة مع النظام السوري “الذي يسعى للانتقام من معارضيه في لبنان”.
هذه الانعطافة المفاجئة التي اعتبرتها اوساط حزب الله “تنفيذا لامر عمليات سعودي – أميركي”، استدعت ردا مباشرا من أمينه العام السيد حسن نصرالله الذي توجّه الى جنبلاط بالاسم في خطابه الاخير، بأن “من أين أتيتم بالحديث عن أن إيران تريد معاقبة لبنان بسبب العقوبات، وهل الرئيس الأسد يتدخل؟ اضبط الأنتينات يا وليد بك”. وقبل أن ينعكس السجال العائد، حملاتٍ متبادلة بين “جيشي” الحزبين “الالكترونيين”، أوعز رئيس التقدمي الى قواعده بالانضباط وعدم الانجرار الى التصعيد، دائما صونا للسلم الاهلي. فهكذا كان…
لكن لمّا كان جنبلاط على مدى عقود، “باروميتر” للتطورات الاقليمية والدولية، و”أستاذا” في قراءتها والتكيّف مع تقلّباتها ونتائجها وفي ضبط تموضعه السياسي الداخلي انطلاقا منها، تقول مصادر سياسية مراقبة لـ”المركزية” إن لا يمكن المرور على كلامه الاخير، مرور الكرام.
فهو قد يكون مؤشرا الى ان توزان القوى الذي حكم المنطقة ولبنان في المرحلة السابقة، آيل الى تبدّل في ضوء العقوبات الاميركية التي دخلت حيز التنفيذ مطلع الشهر على ايران وحزب الله. وفي ضوئها، قد يكون الزعيم الدرزي قرر ادخال تعديلات الى قواعد “فك الاشتباك” مع الحزب، بحيث تعطيه هامش تحرّك سياسي أوسع، الامر الذي ما كانت تسمح به، المعطياتُ الخارجية في المرحلة الماضية.
ويبدو، بحسب المصادر، أن جنبلاط يتطلّع الى ان تكون له حرية أكبر في اطلاق المواقف التي يريد، أكانت محلية او اقليمية، ضمن معادلة “لك حريتك يا حزب الله، في مواقفك الداخلية منها والخارجية، ولي حريتي”، على ان تكون هذه المعادلة مضبوطة تحت سقف الاستقرار وعدم الاشتباك.
واذ تشير الى ان رئيس “الاشتراكي” أراد من تصعيده الاخير، جسّ نبض الحزب ازاء امكانية تغيير “خطوط التماس” السابقة، تلفت المصادر الى ان تصويب نصرالله شخصيا عليه، يدل الى ان لا قبول او استعداد لدى الضاحية للتساهل مع “التمرّد” الجنبلاطي. فهل يواصل الاخير استدارته أم يوقفها او يرجئها الى حين، منتظرا تبلور معالم الصورة الاقليمية والدولية، أكثر؟
“المركزية”