هل يقود تعثر التشكيل الى تُوسّع صلاحيات حكومة تصريف الأعمال؟
في ظل التعثر الحكومي وغياب المؤشرات بشأن المدى الزمني الذي قد تستغرقه عملية التأليف، طُرح اقتراح تفعيل حكومة تصريف الأعمال. على المستوى السياسي لم يلق هذا الطرح قبول العديد من الأفرقاء السياسيين، الذين يعتبرون أنّ الذهاب إلى هذا الخيار يعني التكيّف مع تأخير التأليف والتسليم بالأمر الواقع. على المستوى القانوني هل يجيز الدستور توسيع حدود تصريف الأعمال في ظلّ أزمة التأليف؟
الخبير الدستوري النائب السابق صلاح حنين الدستور يقرأ في كتاب الدستور وتحديدًا في المادة 64 منه، التي تنصّ على أنّ الحكومة لا تمارس صلاحياتها قبل نيل الثقة ولا بعد استقالتها إلا بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، موضحًا في حديث لـ “لبنان 24” أنّ الحكومة عندما تصبح مستقيلة تخسر الثقة التي منحها إياها مجلس النواب، والتي على أساسها تحكم باسم الشعب اللبناني وتتخذ قرارات شرعية، وبفقدان الثقة تصبح الحكومة غير قادرة على الحكم وعلى اتخاذ قرارات سياسية أو مالية أو إقتصادية جديدة، من شأنها أن ترتّب أيّ موجبات ورؤى وأعباء جديدة على الدولة من الناحية القانونية.
يضيف حنين: “إذا سمحنا برفع سقف تصريف الاعمال من سيحدّد السقف عندها، بحيث يُفتح بابٌ ليعتبرَ كلُّ وزير أنّ ما يقوم به يندرج في إطار توسيع تصريف الأعمال، مما يخلق غموضًا في مفهوم وحدود التصريف، كما يغيب دافع تأليف حكومة جديدة طالما أنّ الحكومة المستقيلة تقوم بكلّ الأعمال، ولا شيء يمنع في هذه الحال من أن تستغرق عملية التأليف سنتين أو ثلاث”.
هذا القرار بنظر حنين قد يُتخذ في بلدان فيها من الرقيّ السياسي ما يكفي ليشكّل ضابطًا للتجاوزات “ففي بلجيكا اتخذوا قرارًا بتوسيع حدود تصريف الأعمال عندما تأخر تأليف الحكومة حوالي سنة ونصف، ولم يترك القرار أيّ ضرر ولم ينتج عنه أيّ تجاوزات، ولكن في بلد كلبنان أتمسّك كلّيًا بالدستور، لأنه مع وضوح النص الدستوري يخالفونه فكيف الحال بغياب نص واضح ومحدد. وبالتالي تجاوز تصريف الأعمال هو تجاوز للدستور، وحكومة تصريف الأعمال تصبح غير مسؤولة أمام المجلس النيابي، هي التي نالت ثقة المجلس النيابي السابق، وفي حال تفعيل عملها قد يتجاوز الوزراء صلاحياتهم بعيدًا عن المساءلة وتحت حجة تصريف الأعمال، لذا القاعدة هي منح الثقة ثمّ اتخاذ قرار والمحاسبة على أساسه، بالمقابل لا ثقة إذن لا قرار وتصريف بالمعنى الضيق”.
عدم تفعيل عمل الحكومة وتصريفها للأعمال في النطاق الضيق لا يعني أنّ الدستور يمنعها من الإجتماع، يوضح حنين “ولكن في حالة تصريف الأعمال لا تلتئم الحكومة بحيث لا وجود لجدول أعمال، كونه يتطلب اتخاذ قرارات جديدة ،ويمكن للحكومة أن تجتمع لمتابعة تنفيذ ما كانت قد إتخذته من قرارات قبل الإستقالة. مثلا الحكومة أخذت قرارًا بموضوع عودة النازحين السوريين، وفي حال تطلّب الأمر اجتماع الحكومة لأجل تشكيل لجنة للمتابعة والتنسيق مع الأمم المتحدة أو الروس أو غيرهم لترجمة قرارها بعودة النازحين، لا مانع عندها من إلتئامها، بحيث أنّ ما يحصل هنا من باب تصريف الأعمال ومتابعة لقرار اتخذ قبل الإستقالة وإتيحت اليوم الفرصة لتنفيذه”.
إذن العائق الدستوري أمام تفعيل حكومة تصريف الأعمال يُضاف إلى عدم التوافق السياسي، يجعلان من طرح توسيع حدود تصريف الأعمال غير ممكن، ولا حلّ سوى بإزالة العقبات من أمام مسار التأليف.
تبقى الإشارة إلى أنّ القاعدة في بلدان العالم أجمع، هي تأليف حكومات بغضون أيام وأسابيع قليلة، ولكن في لبنان يستغرق أمر التأليف ما يقارب السنة، ليس خلافًا على البرنامج والرؤى في كيفية تطوير البلاد والنهوض باقتصادها، بل بسبب صراع أهل الحكم على حصصهم الوزارية من جهة، ومحاولة البعض ربط التأليف بأجندات خارجية لا تمت للوطن ومصلحته بأيّ صلة، كما هو حاصل اليوم في ظل عقدة ما يعرف بـ “النواب المستقلون”. ومردّ التأخير بنظر الخبير الدستوري حنين هو تغييب مفهوم أكثرية تحكم وأقلية تعارض، بحيث اعتُمد في السنوات الأخيرة مبدأ تمثيل القوى السياسية في الحكومة، وهكذا لا يُسمح بوجود معارضة، وتتم تغطية الفشل الحكومي من مختلف الأفرقاء .