باسيل يلعب دور ممثل النظام السوري في قمة بيروت
لم تخرج مواقف الوزراء الممثلين للدول العربية عن السياقات الروتينية، للمواقف المعتادة في هكذا قمم. في القمة الاقتصادية التنموية، تضاف جملة عبارات من قبيل السوق العربية المشتركة، وبناء اقتصاد تشاركي، وإزالة الحدود والفواصل. تبقى الشعارات متلازمة مع هذه القمّة منذ ستينيات القرن الماضي. وجانب من المتكلمين ينحو إلى الكلام في السياسة، بينما البرنامج في هذه القمم غالباً ما يتقدّم بعناوين كثيرة وبرّاقة، لا تجد طريقاً أو خطّة إلى التطبيق.
عروبة باسيل!
في معرض الكلام
المنمّق، والذي لا يجد طريقه منذ سنوات إلى أي صيغة عملية أو فاعلة، يتغلّب
الملل على المجتمعين، خصوصاً مع بدء إغداق التشكرات على حسن التنظيم
والإستضافة. أو في المطولات الكلامية التي ينتهز فيها بعض المشاركين الفرصة
لتبادل أطراف الحديث وشوشةً، أو للغرق في هواتفهم أو نومهم.
فيما اختصر رئيس جلسة وزراء الخارجية العرب، وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، المسألة، بالإنقسام العربي وعدم وجود رؤية مشتركة تقوم على التعاون، وفي ظل التضارب بين المصالح، وعالم المؤامرات التي يكيدها العرب إلى بعضهم البعض، أفرغ هذا النوع من القمم من مضمونها. في بعض كلام باسيل وضع للإصبع على الجرح. وقد عرف كيفية توجيه كلماته التي تحاكي كل الشباب العرب، لكن باسيل يعلم أن لا أفق لكلامه، سوى في بعض النوستالجيا الشبابية، التي كانت تختصر سابقاً بعبارة “إن ما سهرنا ببيروت منسهر بالشام” أو المستلهمة من موروثات شعر محمود درويش، كإسقاط جواز السفر، لتبقى كل قلوب العرب جنسية الشباب العربي، في محاكاة لطموح إزالة الحدود والرسوم.
لكن كلام باسيل العاطفي، لا يتلاقى مع موقفه الثابت من
اللاجئين، والذي لطالما يغلّفه بمبدأ منمّق كإعادة المهجرين إلى أراضيهم،
فيما هدفه مواجهة وساوس الخلل الديمغرافي. هذا يرتبط بطروحاته المتعددة،
المناقضة لمضمون خطابه، كحال اقتراحاته المتكررة لإعطاء المرأة اللبنانية
جنسيتها لزوجها وأطفالها، باستثناء السوريين والفلسطينيين والمصريين. حتى
في الدعوة إلى رفع التمييز، كان يقابلها تمييزاً في كلام باسيل كما في كلام
غيره من الوزراء العرب، تماماً كما هو الحال في توصيف الإرهاب والجهة
المرتكبة له، فيوسم طرف بالإرهابي، من دون الإشارة إلى الطرف الآخر.
لغو “إعادة اللاجئين”
صوّب
باسيل سهامه على بعض الدول العربية التي تقاتلت فيما بينها، بينما لم يشر
إلى أي جهة اخرى، ولم يأت على ذكر النظام السوري وما حصل في سوريا،
متجاهلاً أن فيها حرباً، مركّزاً فقط على إعادة الإعمار واللاجئين، من دون
بحث حقيقي في المسبب بالدمار والتهجير. فيما أسف باسيل باسم لبنان لغياب
رؤساء بعض الدول، كانت الرسالة العربية أبلغ في نسبة عدد الوزراء المتكلمين
في الجلسة الإفتتاحية لوزراء الخارجية العرب، بحيث بدا وكأن هناك موقفاً
جامعاً يستكمل حالة اعتذار الرؤساء، تجسّد في عدم طلب الكلام من قبل أي من
الدول الخليجية ومصر مثلاً، مقابل اقتصار الكلام على أمين عام جامعة الدول
العربية، وممثلي فلسطين، الأردن، العراق، جيبوتي، اليمن، موريتانيا،
والصومال.
ركز باسيل الذي ترأس القمّة، متسلماً إياها من وزير الدولة السعودي للشؤون الأفريقية، على توجيه إنتقادات للدول العربية ومواقفها، التي تسببت في تفاقم مشاكل الشعب العربي وتهجيره، وعدم احتضانه في بيئته، والتي ارتكزت على تقديم الكلام الجميل مقابل أعمال غير جميلة. اعتبر باسيل أن العرب لا يجيدون المحافظة على بعضهم البعض، بل يجيدون الإبتعاد عن بعضهم. ومن هنا أراد باسيل لعب دور صوت النظام السوري في القمّة.
دافع عن إعادة الإعمار، في غمزة منه إلى النظام السوري، الذي تتم معاقبته دولياً وإقليمياً في وقف عملية إعادة الإعمار أو منعها. داعياً إلى تأسيس رؤية اقتصادية مشتركة، وخلق مساحة اقتصادية مشرقية تبدأ بإعادة إعمار سوريا والعراق، وإعادة النهوض بلبنان، من دون إغفال مشاريع سكك الحديد والنفط والغاز والكهرباء. مركزاً على وجوب ربط المتوسط بموانئ بالعراق، والبحر الأحمر بسوريا. وصولاً إلى فتح الحدود من دون حصار أو رسوم.
ملف اللاجئين لم يغب عن كلمة باسيل، الذي ركز على وجوب إعادتهم بمعزل عن رغبة من هجّرهم، مشدداً على وجوب تطبيق العودة الآمنة والكريمة، وتحويل النقمة المذهبية إلى نعمة المواطنة. أكثر من مرّة جاء باسيل على ذكر سوريا، التي اعتبر أنها فجوة كبرى في الجسد العربي وهناك شعور بثقل غيابها، معتبراً أنها يجب أن تعود إلى الجامعة العربية، وأن تكون في “حضننا بدلاً من تركها في حضن الإرهاب” بمعزل عن الضغوط الخارجية التي تمنع إعادتها، ويجب عدم تسجيل عار إبقائها خارج العرب بسبب الضغط الخارجي، وإعادتها حين يسمح الإذن الخارجي.
مزايدات محلية
لعب باسيل في القمة لعبة المزايدة في الممانعة. كمن يقاتل من موقعها، ولهذا أهداف محلية وخارجية. في لبنان لديه خصوم يهدف إلى تصفية الحسابات معهم، وإذا كان هناك من يسعى إلى تطيير القمّة في الشارع كرمى لعيون سوريا، يشير باسيل إلى أنه الأقدر على نقل الهوم السورية إلى المحافل العربية الرسمية، فيطلب من أمين العام للجامعة العربية إعادة سوريا، ويوجه دعوة للسفير السوري لحضور القمة، ويتحدث باسمها في الجلسة الإفتتاحية. مزايدة باسيل لا تنفصل، عن واقع الضغوط التي يتعرّض لها من قبل الأميركيين، والتي أراد من خلالها تسليف السوريين والإيرانيين مواقف لطمأنتهم بأنه لن ينجرّ إلى اللعبة الأميركية، طالما أنه متيقّن بأن واشنطن غير مهتمة بتفاصيل المواقف والإعلانات في الزواريب اللبنانية والسورية، بقدر ما تنظر إلى الواقع على الأرض، على قاعدة التعامل مع ملفات المنطقة ككل كسلّة واحدة بعيداً عن تسجيل النقاط الداخلية التي يجد باسيل التلاعب في ميدانه، لمواجهة كل محاولات الحصار التي يتعرّض لها، فاللعب بالورقة السورية غير مكلف دولياً وإقليمياً، إنما يفيد تكتيكياً في الداخل.
المدن