هذا ما سبق مخاض الولادة الحكومية… ومن هم الخواجات الجدد
منذ اليوم الاول للتكليف 24 أيار حتى اليوم الاخير 31 كانون الثاني، ثمانية اشهر وستة ايام دارت في فلك واحد: تقاسم الحقائب. الى ساعات ما قبل اعلان مراسيم الحكومة، لم يتوقف لحظة تناتشها بغية تغليب حصة على اخرى. كأنها آخر حكومات لبنان، وآخر العالم في السلطة فوق سطح الحكومة الجديدة كل شيء على ما يرام. تحت هذا السطح اكثر من سبب سيحملها على التعرّض الى اكثر من خضة او ازمة وشيكة. منذ ما قبل صدور المراسيم حدث امر غامض بدءاً، ثم اخذ تدريجاً يفصح عن نفسه: رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط غاضب، وقطع اتصالاته برئيس الحكومة سعد الحريري. رغم انه ممثّل فيها، قد يكون وحده – ربما – غير مسرور بإعلانها على نحو ما افصحت مراسيمها مساء الخميس.
لساعات قليلة، وُزِّع له حديث الى صحيفة عربية استبعد فيه تأليف الحكومة
بضعة أيام. في المساء باغت الحريري الجميع بذهابه الى قصر بعبدا، وإعلانه
حكومته الثانية في هذا العهد. البارحة، في اليوم الاول للحكومة الجديدة،
كتب جنبلاط تغريدة على حسابه انطوت على بعض المغازي: «سيستمر الحزب
الاشتراكي – وان لوحده – كما يبدو في الدفاع عن الملك العام، ويرفض هذه
الخصخصة المتوحشة. نعلم جيداً ان الطوق السياسي سيزداد، وسنواجهه بكل هدوء،
آخذين في الاعتبار المعادلة الاقليمية. اذا كنت في الامس استبعدت تشكيل
الوزارة، فمرده الى انني لم اعلم بخفايا باريس 2. هفوة ودرس مرير».
في
العبارة الاخيرة احد تلك الالغاز. كأنه اراد ان يقول انه غُدر، او في احسن
الاحوال أُسيء اليه، وثمة مَن فكّر في الانقلاب عليه، هو الذي سبق ان وصف
بعض العاملين على تأليف الحكومة بأنهم «يزحفون على بطونهم». ترافق ذلك مع
معلومات تحدثت عن انقطاع الاتصالات بينه وبين الحريري تماماً منذ عشائهما
الاخير. البعض اعتقد ان عشاءهما في الاشرفية الاثنين 28 كانون الثاني، في
حضور الوزير وائل بوفاعور والوزير السابق غطاس خوري شق الطريق الى تسوية
الساعات الاخيرة، تمهيداً لاعلان الحكومة الجديدة. بيد ان بضع وقائع كشفت
نقيض ذلك:
1 – مكالمة هاتفية في اليومين السابقين لعشاء الإثنين بين
بوفاعور والوزير جبران باسيل الذي طلب الى محدثه التخلي عن حقيبة الصناعة
للتيار الوطني الحر. رفض بوفاعور للفور. قال باسيل انه يتكلم باسم رئيس
الجمهورية، فردّ بوفاعور بأنه يتكلم باسم احدى كبريات المرجعيات اللبنانية.
انتهت المكالمة على زغل… وغضب.
2 – في عشاء الإثنين «سمّع» خوري
بوفاعور، في حضور الحريري وجنبلاط، في ايحاء بدا انه معدّ مسبقاً، أنه قد
يُوزّر في حقيبة الاعلام. ردّ جنبلاط برفض قاطع وكلام لا يخلو من «قرص».
3
– تخلي جنبلاط عن حقيبة الصناعة كان في صلب كباش الاسبوع المنصرم، بإزاء
رفضه اي تفاوض في شأن اخراجها من حصته، قائلاً لمراجعيه ان اي تصرّف يوحي
بانتزاعها منه سيجعله خارج الحكومة للفور.
4 – راجع الحريري رئيس مجلس
النواب نبيه برّي، طالباً منه الضغط على جنبلاط للاستغناء عن حقيبة
الصناعة، فكان جوابه: اذهبوا انتم اليه واحكوا معه. استفسر عن سبب إبدالها،
فقيل له انها للتيار الوطني الحر. جواب برّي انه لا يمانع في التخلي عن
حقيبة البيئة في حصته، في مقابل حقيبة الثقافة في حال اكملت الدائرة دورتها
النهائية. كان قد تردّد آنذاك ان الابدال في الحقائب المقصود هو تنازل
برّي عن البيئة لباسيل، في مقابل حصوله هو على الصناعة، فيما واقع المناورة
انتزاع الصناعة من جنبلاط لذهابها الى باسيل ايضاً.
5 – في الساعات
القليلة التالية لعشاء الاثنين، تبين لجنبلاط ان الحريري أنجز – من دون
إعلامه – إبدالاً لحقيبة الصناعة في حصته، وأضافها الى حصة باسيل، في مقابل
إعطائه هو حقيبة الثقافة. للتو ارسل اليه من هاتفه رسالة نصية لم تخلُ من
عبارات حادة غاضبة، ليس اقلها ان الرئيس المكلف آنذاك لم يكن صادقاً معه.
اضاف له انه خارج اي اتفاق معه، مصراً على حقيبتي الصناعة والتربية،
ورافضاً اي محاولة لانتزاع احداهما منه. سوى ذلك هو خارج هذه الحكومة.
مذذاك قطع جنبلاط تواصله بالحريري.
6 – بسبب تعذّر انتزاع حقيبة الصناعة
من جنبلاط، تحرّكت قنوات التواصل بين اكثر من طرف، الى ان حطت عند رئيس
حزب القوات اللبنانية سمير جعجع وانتزعت حقيبة الثقافة منه، كي تمنح الى
حركة امل، في مقابل حقيبة الدولة – الثانية لحزب جعجع بعد نيابة رئاسة
الحكومة – على ان يتخلى برّي عن البيئة. في اوقات سابقة ابلغ رئيس المجلس
الى الحريري استعداده التخلي عن البيئة في مقابل حصوله على احدى حقيبتي
الصناعة والثقافة. انتهى المطاف بصرف النظر عن حقيبة الصناعة التي ظلت في
حصة جنبلاط، وهو ما اصرّ عليه تحت طائلة عدم المشاركة في الحكومة.
مَن هم «الخواجات الجدد» في مرحلة الحكومة الجديدة؟
7 – حتى الساعات القليلة التي سبقت اعلان المراسيم، خشي جنبلاط من مفاجأة تدفع به الى الخيارات السلبية، بمباغتته بانتزاع الحقيبة منه. ارسل الوزير اكرم شهيب الى الوزير السابق نهاد المشنوق والوزير علي حسن خليل لمعرفة دقائق اللحظات الاخيرة، قلقاً من «لعبة غير محسوبة». قراره اذذاك اعتذار شهيب وبوفاعور للفور عن عدم المشاركة في الحكومة.
8 – ما بين عشاء 28 كانون الثاني وتغريدة اخرى في 30 كانون الثاني، عشية صدور مراسيم الحكومة الجديدة، اطلق جنبلاط موقفاً اقرب الى انذار انيق، الا انه جدي، من شأنه ان يحدد ما ينتظر الحكومة الجديدة، فضلاً عن تلميحه الى تحوّله سلفاً رأس حربة في مجلس الوزراء. قال في تغريدة 30 كانون الثاني: «سيطعن الحزب الاشتراكي في هذه التلزيمات بالتراضي التي جرت في ما يتعلق بالمصفاة ودير عمار. كفى استهزاءً بعقول الناس حيث اصبحت البلاد وثرواتها في أيدي الخواجات الجدد وشركائهم من رحم الجيش الاميركي او فضلاته. حذار من تسويق سلفة جديدة للكهرباء والمصلحة تتغاضى عن 40% من الهدر».
ليس خافياً ان حديثه عن «الخواجات الجدد» انطوى على شكوك مبكّرة في ما يُعتقد أنه صفقات يجري التفاهم عليها بين الحريري وباسيل في ملفات الغاز والنفط والاتصالات والكهرباء. وهو ما عناه في اليوم التالي عندما تكلم عن «باريس 2» بين الرجلين.
اما «الخواجات الجدد»، فليس خافياً او سرّاً ان جنبلاط يدلّ بإصبعه على اولئك الذين يحملون هذا الاسم او الدائرين في فلكهم.
نقولا ناصيف/ الأخبار