مَن “أطفأ” الإحتدام بين الحريري وجنبلاط؟
يَمْضي لبنان في استرداد النصاب الدستوري – السياسي عبر استكمال ترتيبات الانتقال بالحكومة الجديدة إلى «ميدان العمل» من خلال نيلها ثقة البرلمان في جلساتٍ ستُعقد الأسبوع المقبل (الثلاثاء والأربعاء وربما الجمعة) على أساس بيانها الوزاري الذي يقرّه مجلس الوزراء اليوم بعدما خضع أمس لقراءة أخيرة من اللجنة المكلّفة صوغه.
ولم تطرأ تعديلاتٌ على «المانيفست السياسي» لحكومة الرئيس سعد الحريري ولا سيما في مَفاصله الأساسية بعد استنساخها من البيان الوزاري للحكومة السابقة، وتحديداً تلك المتعلّقة بالمقاومة (سلاح حزب الله) والنأي بالنفس والعلاقة مع النظام السوري والتي تعتمد صياغاتها اللغوية على «تمويه» التناقضات الكبرى بين المكونات السياسية في شأن هذه العناوين.
وعَكَسَ «الجديدُ» في البيان الوزاري جانبيْن أساسييْن من التحديات التي تواجهها البلاد هما، مؤتمر «سيدر 1» والإصلاحات التي يتعيّن على لبنان السير بها كمدخل للاستفادة من قروض ميسرة ومساعدات بأكثر من 11 مليار دولار، وملف النازحين السوريين الذي جرت «حياكة» بنْده على نحو يُرضي مقاربة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حول «العودة الآمنة» من دون أن يُغضب المجتمع الدولي، ولا معارضي التواصل المباشر مع النظام السوري في هذا الشأن، ومع ترحيبٍ بالمبادرة الروسية لإعادة النازحين الى بلدهم.
وفي الطريق الى بدء الحكومة مشوارِها الشائك و«المزروع» بالكثير من الأشواك السياسية والمالية – الاقتصادية، تتسارعُ المساعي الرامية إلى سكب «مياه باردة» على التوترات التي «انفجرت» غداة صدور مراسيم تشكيلها، وذلك لضمان بيئة سياسية حاضنة تسمح بعبورٍ آمِن الى مرحلة النهوض بالبلد والذي يسير في «حقل أفخاخ» خارجية تتّصل بملفاتٍ إقليمية ساخنة يجد لبنان نفسه «مربوطاً بفتائلها» عبر «حزب الله» وأدواره في أكثر من ساحة، ولا سيما في ظل ضغوط أميركية متعاظمة على إيران و«أذرعها» وتهديدات اسرائيلية متوالية.
وفي هذا السياق، نجحتْ الاتصالات في «إطفاء» الصراع العلني بين الحريري وزعيم «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط ونقْلِه الى «خلف الستائر» بعدما بلغتْ أصداؤه عواصم معنية قلقتْ من الارتدادات السلبية لهذا «الصراخ السياسي» بين الحليفيْن الاستراتيجييْن المفترضيْن ومَغازيه لجهة واقع التوازنات داخل الحكومة بوجه «الجبهة» التي يشكّل «حزب الله» نواتَها الصلبة.
وتَزامَنَ بدء البحث في الأسباب التي دفعتْ جنبلاط الى «فتح النار» السياسية على الحريري، والتي يرتبط بعضها بتشكيل الحكومة وبعضها الآخر بمخاوف لدى الزعيم الدرزي من منحى لمحاصرته يقوده «التيار الوطني الحر» برئاسة الوزير جبران باسيل، مع تطوريْن: الأول زيارة قام بها الوزير وائل ابو فاعور للسعودية حيث التقى عدداً من المسؤولين. ورغم الكلام عن أن هذه الزيارة معدّة قبل انفجار السجال مع الحريري، إلا أنها لا بد ان تكون تناولت هذا التطور ولا سيما أن جنبلاط وضع اتفاق الطائف و«الطعن» الذي يتعرّض له هذا الاتفاق عنواناً لمعركته السياسية.
والثاني بدء وفد من «اللقاء الديموقراطي» (الكتلة المحسوبة على جنبلاط) جولةً على الرؤساء استُهلّت أمس بزيارة ابو فاعور والوزير أكرم شهيّب للرئيس العماد ميشال عون، بهدف وضْع هذه الهواجس على الطاولة لجهة محاولة تجديد «بوليصة التأمين» حول «دستور الطائف»، علماً أن هذا اللقاء يُعوَّل عليه لتطبيع العلاقة بين الزعيم الدرزي و«التيار الحر» ومنْع تعرُّضها لمزيد من الانتكاسات.
وفيما كانت علاقة الحريري – جنبلاط توضع على سكة معاودة الترميم، كان شريكا تفاهُم مار مخايل، «حزب الله» و«التيار الحر» يجددان الالتزام به في الذكرى 13 لتوقيعه، من دون ان تمرّ هذه المحطة بلا رسائل لافتة وجّهها باسيل في حضور مسؤولين من الحزب ولا سيما في نقطتين: الأولى تأكيده أنّه «لولا حزب الله لما كان العماد عون رئيساً للجمهورية اليوم»، و«على الحزب انّ يقرّ أنه لولا التيار لم يكن ليصمد بوجه اسرائيل في حرب يوليو، ولا في وجه الإرهاب ولما استطاع الخروج من محاولات العزل».
والثانية رفْضه ما يتعرّض له بين الحين والآخر من «تخوين»، معتبراً في ما خص وضْع لوحة للجلاء السوري في نهر الكلب انه «لا يحق لأحد من اللبنانيين ان يخوننا، لأن من لا يحترم تاريخنا لا يمكنه ان يفهمنا».
الراي الكويتية