الوزير “القواتي” أبو سليمان: نتلاقى مع حزب الله اقتصادياً
يسعى حزب “القوات اللبنانية” إلى التأكيد على تميّز وزارئه، واختيارهم وفق كفاءتهم، قدر الإمكان. وهذا السعي لتحصيل سمعة جيدة للحزب، وإن كانت تندرج في سياق منافسة “التيار الوطني الحر” لاسترضاء أكبر عدد من الناخبين المسيحيين، تبقى في المحصلة، سلوكاً سياسياً مرغوباً، وأفضل من المعايير التي يتم بها اختيار الوزراء الآخرين.
توزير المحامي كميل أبو سليمان(*)، كان بنظر “القوات” خياراً
موفّقاً، سواء أوكلت إليه حقيبة العدل أو العمل. فالمؤهلات والكفاءات
العلمية، التي يتمتّع بها نجل النائب الراحل شاكر أبو سليمان، بالإضافة إلى
المناصب الوظيفية التي يشغلها عالمياً، قد تجعله “قيمة مُضافة” للحكومة،
وربما الأنسب لتولّي المهمّات الوزارية وإنجازها.
محامي الهندسات المالية
وزير
العمل الجديد حائز على شهادات عديدة، أهمها ماجيستر في القانون من جامعة
هارفرد. اشتهر اسمه وعُرف عالميّاً، أكثر منه لبنانيّاً. فهو شريك أساسي في
مكتب المحاماة الدولي “ديكارت” ورئيس مكتب لندن، منذ أكثر من ثلاثين عاما،
كما أنه رئيس قسم الأسواق الناشئة، والأسواق المالية العالمية. اضطلع أبو
سليمان بدورٍ أساسي في هندسة مجموعة من العمليات المالية، في أسواق رأس
المال. وهو المحامي الأساسي لإصدارات اليوروبوند كافة، والتي تقوم بها
الدولة اللبنانية منذ العام 1995.
اختير كأحد أفضل المحامين الابتكاريين في أوروبا سنة 2016، من قبل الـ Financial Times، ونال أول جائزة “إنجاز لمدى الحياة” سنة 2017 من قبل The International Financial Law Review. بفضل عمله الاستثنائي في أسواق رأس المال الدولية، في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وجهوده لإنجاح أكثر من 100 إصدار سيادي، في العديد من المعاملات الأولى من نوعها في أسواق رأس المال، بما في ذلك اول إصدار سندات للشركات من الكويت، وللديون السيادية في مصر والأردن ولبنان والمغرب وتونس وغيرها. كما سمّي كمتمّم الاتفاقات للعام 2018، من قبل The American Lawyer.
وفي وقت سُرّبت معلومات، مفادها أنّ “حزب الله” رفض أن تكون حقيبة العدل من حصّة القوّات، بعد أن علم بأنّ الوزير أبو سليمان هو من سيتولّاها، على اعتبار أنّ الأخير كان من أبرز المشاركين في صياغة قانون العقوبات الأميركية على الحزب، ينفي أبو سليمان أن تكون له علاقة بالموضوع، لا من قريب أو بعيد، مستغرباً تسريب هكذا معلومات “عارية تماما عن الصحة”. فما يقوم به هو العكس تماما، كونه من أبرز المشاركين في الدفاع عن أكبر المصارف اللبنانية، التي تواجه دعويين مدنيتين رفعتا في نيويورك، بزعم تسهيل أعمال لصالح “حزب الله”، والتسبّب جزئياً بالضرر اللاحق بالعائلات التي فقدت جنوداً أميركيين، أو تعرضوا للإصابة إبان العمليات العسكرية في العراق بين 2004 و2011.
ويكشف أبو سليمان، أنه لاحظ أنّ هناك تلاقياً عالياً جداً مع
“حزب الله” حول المواضيع الاقتصادية، وذلك خلال الاجتماعين الأخيرين مع
ممثلي الحزب، لافتا إلى “أنّنا ندرس كل ملف على حدة، بموضوعية، من دون
تقاطعات. وبالتالي، فإنّ كل طرف يعطي رأيه بشكل مستقلّ، وحسب مضمون كل
ملف”.
الضمان الاجتماعي
منذ لحظة الإعلان عن
تعيينه وزيراً، استقال أبو سليمان من رئاسة مكتب المحاماة في لندن، والذي
يضم ألف محام، كاشفاً أنّه سيحرص على الاستمرار معهم بصفة بسيطة فقط، على
أن يكرّس كل جهوده وطاقاته وخبراته للعمل الحكومي في لبنان، حيث سيقضي
“أكثر من 95 في المئة من وقته”.
بعد عملية التسليم والتسلم بينه وبين الوزير السابق محمد كبارة، قام أبو سليمان بجولة في الوزارة خرج منها “بانطباع جيّد ومشجّع”، على حدّ قوله، بعد أن تعرّف على الموظفين فردا فردا، ولمس لدى الجميع استعدادهم للتعاون والعمل بجدّيّة ومسؤولية.
صحيح أنه لم يتسنّ له الوقت بعد للاطّلاع على ملفات الوزارة، غير أنّ ذلك لا يعني أن لا فكرة لديه عنها، إذ أنّه منذ أن سلّم جعجع أسماء مرشحي الحزب، حتى بدأ أبو سليمان وزملاؤه تحضير أنفسهم لاستلام مهمّاتهم الوزارية.
بعزم وإيمان، يستعدّ أبو سليمان لخوض غمار هذه التجربة الفريدة في حياته، والعزيزة على قلبه، خصوصا وأن أولى أولويّاتها تطوير وإعادة هيكلة الضمان الاجتماعي، إذ تُعتَبر وزارة العمل وصية على صندوقه، الذي كان والده وكيله القانوني لمدة عشرين عاما.
ويؤكد أبو سليمان في هذا السياق، أنّ “هناك تلاقياً بين القوى
السياسية على أنّ هذا المشروع ضروري، ولديّ إحساس بأنّ هناك نيّة حسنة
وجدّيّة في التعامل مع هذا الملف”، آملاً “التعاون مع جميع الأفرقاء
لتحقيقه، بعيدا عن السياسة، لما فيه من مصلحة لكل لبنان، وللمستفيدين من
الضمان، بشكل خاص”.
قانون العمل والعمالة الأجنبية
ويلفت
أبو سليمان الى أنّ “أولويّاته في الوزارة تكمن أيضا في تحديث قانون
العمل، الذي يفوق عمره الستين عاما، وتفعيل المؤسسة الوطنية
للاستخدام، وتسهيل علاقة المواطنين مع الوزارة عبر تعزيز المكننة والخدمات
الالكترونية”. وإذ يشدّد على “أنّنا نطمح لإعطاء الأولوية للعامل
اللبناني، والتعامل مع اليد العاملة الأجنبية باحترام وإنسانية”، يعلن وزير
العمل على “أننا سنعمل على تقوية التفتيش في هذا الاطار، لأنّ هناك شركات
كثيرة في لبنان تعطي أفضلية للعامل الأجنبي على حساب المواطن اللبناني،
خلافاً للقانون، وهو ما لن نسمح به بعد الآن”.
يختم قائلا: “فلنستفد من الوقت للعمل، في سبيل انتشال البلد من الأزمات المستفحلة به. يبدو الجو داخل مجلس الوزراء ملائما للعمل، كما اتّضح خلال التحضير لصياغة البيان الوزاري. وأؤكد هنا استعدادي للتعاون مع جميع الوزراء من دون استثناء، كما أنني سأعمل على الاستفادة من كل الدراسات والطاقات والخبرات، التي اكتسبتها في حياتي المهنية، لإتمام مهمّتي الوزارية على أكمل وجه.. إن شاء الله”.
(*)هذه المقابلة التي خص الوزير أبو سليمان “المدن” بها، جاءت على هامش ترؤسه ورشة عمل، تحت عنوان: “القوات في مواجهة التحديات المالية والاقتصادية”، بحثت في سبل خفض العجز المالي في الموازنة. وتشكل هذه الورشة، التي نظمها حزب “القوات اللبنانية”، بالتعاون مع منظمة “كونراد اديناور” و”مركز الشرق الأوسط للأبحاث والدراسات الاستراتيجية”، بداية سلسلة ورش عمل، ستطلقها “القوات” تباعا، وبشكل مكثف، تتمحور حول ملفات الكهرباء، الاتصالات وغيرها من العناوين، التي تشكل تحديات اقتصادية ومالية أمام الدولة اللبنانية، بحثاً عن بعض الحلول العملية لها.
المدن