تحالف الحريري – جنبلاط راسخ وباسيل منحاز لمصلحة خصوم جنبلاط
تدخل العلاقة بين رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري ورئيس الحزب «التقدمي
الاشتراكي» وليد جنبلاط، والتي سادها في الآونة الأخيرة جو من التوتّر بلغ
ذروته عشية ولادة الحكومة الجديدة، في مرحلة «غسل القلوب» لاستيعاب
الأسباب الكامنة وراء تصاعد التأزم السياسي بين حليفي الأمس تمهيداً لعودة
تحالفهما إلى سابق عهده، وبالتالي لقطع الطريق – كما تقول مصادر مقرّبة
منهما لـ«الشرق الأوسط» – على كل الذين راهنوا من المنتمين إلى «محور
الممانعة» أو من بعض رموز «قوى 14 آذار» على أن علاقتهما وصلت إلى حائط
مسدود وأن تحالفهما أصبح من الماضي.
وتقول مصادر مواكبة للأجواء التي سادت اللقاء الذي عُقد ليل أول من أمس بين
الرئيس الحريري وعضوي «اللقاء الديمقراطي» الوزيرين أكرم شهيّب ووائل أبو
فاعور إن رهان البعض على أن علاقة الحريري وجنبلاط أُصيبت بندوب سياسية غير
مسبوقة وأن تحالفهما انتهى بلا رجعة بذريعة أن الاشتباك السياسي بينهما هو
الأول من نوعه، هو رهان سيبقى في حدود الرغبة التي ستصطدم في الأيام
القادمة بقرار الطرفين بضرورة إنعاش تحالفهما.
وتؤكد المصادر نفسها لـ«الشرق الأوسط» أن الطرفين توافقا على ضرورة التواصل
والحوار وأنه لم يعد من مكان لاستحضار التغريدات التي تُبولدت بينهما قبل
ولادة الحكومة، لأن السجال عبر «تويتر» لا يساعد على حصر الخلاف بينهما
بمقدار ما شكّل مادة مشتعلة تجاوزتهما إلى محازبيهما الذين لم يقصّروا في
كيل الاتهامات وأحياناً الشتائم.
وتكشف المصادر أن أول الغيث في رغبة الحريري وجنبلاط على طي صفحة الماضي،
كان في مبادرة الأخير في إرسال «هدية» إليه هي عبارة عن مجموعة من اللقطات
للعشاء الذي جمعهما قبل يوم من ولادة الحكومة، وضم إضافة إليهما السفير
المصري لدى لبنان نزيه النجاري وأبو فاعور والوزير السابق غطاس خوري.
وتقول المصادر إن الحريري تسلّم هذه الصور من أبو فاعور وشهيّب وهو يبتسم
وكأنه على قراره بتنظيم الاختلاف بينه وبين جنبلاط حول بعض الملفات وأبرزها
تلزيم قطاع الكهرباء؛ خصوصاً أن تحالفهما حول الأمور الاستراتيجية سيبقى
صامداً.
وبكلام آخر، فإن الخلاف حول هذه الملفات يجب أن يسلك طريقه إلى الحوار
والتواصل لعلهما يتوصّلان إلى تفاهم حتى لو تعذّر عليهما الاتفاق، يقوم على
تحييده عن التفاهمات السياسية الكبرى وأولها موقفهما من النظام السوري،
وهذا يعني أن البديل للحوار لن يكون من خلال تبادل التغريدات.
وفي هذا السياق تؤكد المصادر المواكبة أن لقاء الحريري بالوزيرين شهيّب
وأبو فاعور لم يخلُ من تبادل العتاب واستعراض الأسباب التي كانت وراء
الوصول بالعلاقة إلى التأزّم، وتقول إن الطرفين أجريا حواراً في العمق
وبصراحة رغبة منهما في السيطرة على نقاط الخلاف ووضعها على سكة الحوار.
وترى المصادر أن من أسباب توتر العلاقة بين الحريري وجنبلاط وجود قلق لدى
الأخير من مخطط لمحاصرته وتطويقه بدءاً من الجبل وأن النظام السوري يرعى
هذا المشروع للثأر من رئيس «التقدمي» على مواقفه النارية منه وأن لديه
إحساسا بأن الحريري لا يشاركه كما يجب في قلقه.
لكن الحريري – كما تقول المصادر – سارع إلى طمأنة شهيّب وأبو فاعور، وأكد
لهما من دون مواربة أنه انطلق في بداية مشواره السياسي فور استشهاد والده
رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري بالتحالف مع جنبلاط وأن تحالفه لن يكون
موضع مساومة ويحفظ له وقفته التاريخية إلى جانبه. وتضيف المصادر نقلاً عن
الحريري أنه لن يقف على الحياد حيال الذين يخططون لمحاصرة جنبلاط ومن ثم
تطويقه بدءاً بمنطقة الجبل.
وتؤكد المصادر أن أجواء من الودّ خيّمت على لقاء الحريري بالوزيرين شهيّب
وأبو فاعور الذي سيواصل تحرّكه لتحضير الأجواء السياسية للقاء بين الحريري
وجنبلاط سيحصل قريباً مع اقتراب حلول الذكرى الرابعة عشرة لاغتيال الرئيس
رفيق الحريري؛ خصوصاً أن رئيس الحكومة وجّه دعوات شخصية لرئيس «التقدمي»
وأركانه لحضور الحفل الذي سيقيمه تيار «المستقبل» بهذه المناسبة.
لذلك فإن لقاء تنقية الأجواء بين الحريري وشهيّب وأبو فاعور شكّل مناسبة
لجوجلة أسباب الخلاف وإدراجها في ملفٍ للحوار مع الإصرار على ثبات تحالفهما
الاستراتيجي. كما أتاح للوزيرين تسجيل مجموعة من المآخذ على رئيس «التيار
الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل.
وعلمت «الشرق الأوسط» أن شهيّب وأبو فاعور استفاضا في حديثهما عن واقع
الوضع الدرزي واتهما باسيل بالانحياز لمصلحة خصوم جنبلاط ودخوله كطرف في
المحاولات الرامية إلى محاصرته وتطويقه.
لذلك، يتصرف «التقدمي» منذ الآن على أنه يخوض معركة مفتوحة مع باسيل على
خلفية تدخّله المباشر في ملف العلاقات الدرزية من دون سابق إنذار، وهذا ما
شكّل مفاجأة له لأنه يرى أن لا مبرر له لإقحام نفسه في هذا الخلاف الذي
يمكن أن يؤثر على المصالحة في الجبل، باعتبار أنها بمثابة خط أحمر لدى
جنبلاط ولن يسمح بتهديدها أو العودة بالجبل إلى اقتتال ترتّب عليه سقوط
ضحايا.
وعليه، فإن الحريري وجنبلاط يصرّان على التزامهما بتطبيق اتفاق «الطائف»
وتنقيته من الشوائب، كما أن الأخير يتمسك بالتسوية التي توصّل إليها مع
الرئيس ميشال عون الذي كان التقى شهيّب وأبو فاعور موفدَين من رئيس
«التقدمي».
وعلمت «الشرق الأوسط» أن جنبلاط ليس في وارد الدخول في اشتباك مع عون وأن
خلافه مع باسيل لن ينسحب مهما كلّف الأمر على العلاقة مع رئاسة الجمهورية.
ولم يُعرف حتى الساعة إذا كان الرئيس عون سيتدخّل مباشرة لدى باسيل للعمل
على تهدئته لأن له مصلحة في الحفاظ على الاستقرار وتعزيزه؛ خصوصاً في
الجبل، مع الإشارة إلى أن شخصيات في «التيار الوطني» لا تشارك رئيسها في
انحيازه إلى جانب أطراف في الطائفة الدرزية.
وسيكون المعيار لمدى ثبات التسوية بين الرئيس عون و«التقدمي» من اختبار
التجاوب مع الأخير في تعيين العميد أمين العرم رئيساً لهيئة الأركان العامة
في الجيش بعد ترقيته في مجلس الوزراء إلى رتبة لواء، وذلك خلفاً للواء
المتقاعد حاتم ملاك؛ خصوصاً أنه الأول لجهة الأقدمية على قائمة المرشحين من
الضباط الدروز لملء هذا المركز الشاغر حالياً.