مئة ألف بئر إرتوازي تسرق المال العام.. والدولة غافلة
تشير التقديرات إلى وجود حوالى عشرة آبار إرتوازية في كل كيلومتر مربع في لبنان، أي ما يفوق المئة ألف بئر، وجميعها تقريباً غير مرخّص وفق القوانين المرعية الإجراء. إذ يكتفي أصحابها بالحصول على أذونات خاصة من القوى الأمنية. وبمعزل عن كون تلك الآبار أدّت وتؤدي إلى كوارث بيئية، ليس أقلها جفاف الينابيع والمياه الجوفية، وما يرافقها من تصحّر، بل إنّ عشوائية تلك “الآفة” تفقد الدولة مواردها الطبيعية والمادية أيضاً.
تحقيق “المدن”
وإذا
كانت الدولة تبحث عن موارد مالية من الغاز اللبناني المكتشف حديثاً، تجاهل
المسؤولون ويتجاهلون الموارد المالية الطائلة، التي تستطيع مالية الدولة
حصدها من آبار المياه الارتوازية، التي تعتبر بمثابة حقول نفط، لا تقل
أهمية عن الغاز، الذي ما زال إلى حدّ الساعة بمثابة شراء “سمك في البحر”.
إذ تقدّر الأموال التي تستطيع خزينة الدولة تحصيلها من هذا القطاع في حال
عملت السلطات المعنية على تسوية أوضاع الآبار بأكثر من 250 مليون دولار
سنوياً، على حد قول أحد المهندسين العاملين في هذا الشأن.
وفي هذا الإطار يُسجّل لوزارة الطاقة والمياه سرعة التحرّك،
لمحاولة معالجة عشوائية حفر الآبار الارتوازية، وما يتنج عنها من هدر وفساد
ومحسوبية. إذ أصدرت كتباً إلى وزارة الداخلية والبلديات وتعاميمَ إلى
المحافظين لضبط المخالفات.
وحسب مصادر خاصّة بـ”المدن”، بدأت القوى
الأمنية في المناطق باستدعاء أصحاب الآبار، الذين حصلوا على رخص من وزارة
الطاقة والمياه، لاستكمال تسوية أوضاعهم والاستحصال على رخص الاستثمار،
لتركيب عدادات تمهيداً لدفع الرسوم والضرائب المتوجبة عليهم. وأكّدت
المصادر أنّ مسارعة الوزيرة ندى البستاني لمحاولة معالجة هذا الملف، أتى
بعد فتح “المدن” ملف استحصال شركة ألبان لبنان على مياهها، من خلال الآبار الارتوازية غير الحاصلة على التراخيص اللازمة.
تدابير الوزارة
وفي ما يتعلق برخص
الاستثمار، أكّدت مصادر “مصلحة الاستملاك في وزارة الطاقة والمياه”، على
أنّ هناك تعميماً صدر منذ حوالى عشرة أيام إلى جميع المحافظين، للعمل على
تسوية أوضاع الآبار المرخّصة. وقد تمّ تزويد جميع المحافظين بجداول تتضمن
بيانات أصحاب الآبار، الذين استحصلوا على رخص الحفر من وزارة الطاقة
والمياه، ليصار إلى تبليغهم بضرورة استكمال الإجراءات لنيل رخص استثمار،
كما يفرض القانون. وهناك شركة تدقيق خاصة متعاقدة مع الوزارة ستعمل على هذه
الملفات، وسترفع تقريرها إلى المصلحة، التي ستعمل بدورها على إجراء الكشف
الميداني والتأكد من تنفيذ القرار.
وإذا كانت محاولة وزارة الطاقة وقف المخالفات وتسوية أوضاع
تلك الآبار يعتبر مدخلاً لمعالجة هدر المال العام في هذا الملف، إلا أن
مشكلة الآبار الفعلية لا تكمن في أصحاب الآبار الذي استحصلوا على رخص الحفر
من الوزارة، بل في أصحاب الآبار غير المرخّصة التي تمثّل أكثر من 90
بالمئة من الآبار في لبنان.
وزارة الداخلية لا تتجاوب
وهنا
تشير مصادر “المصلحة” إلى أن تسوية أوضاع أصحاب الآبار غير المرخّصة
قانونياً، ما زالت مستعصية. فالمصلحة لا تملك أي بيانات عنهم، كونهم عمدوا
إلى حفر الآبار عبر استحصال أذونات من بعض القوى الأمنية، أو من قوى الأمر
الواقع أو حتى من دون أذونات. وقد أصدرت البستاني، في الآونة الأخيرة،
كتاباً إلى وزارة الداخلية، طلبت فيه تزويد وزارة الطاقة بجدول الأذونات
الممنوحة من قبل القوى الأمنية، لكن “الداخلية” لم تتجاوب بعد في هذا
الخصوص، كما أكّدت المصادر. علماً أنّ كتاب البستاني تضمّن أيضاً طلباً من
وزيرة الداخليّة: “اتخاذ ما يلزم من إجراءات لمنع إعطاء أي أذونات خاصة
لحفر الآبار من أي إدارة أو مؤسسة تابعة لوزارتكم، لعدم قانونيتها، ولما
تشكّله من ضرر على المياه الجوفيّة”.
بدروها أكّدت مصادر وزارة الداخلية أنها بدأت بالتحرك في هذا الملف، مشيرة إلى أن ليس لديها أي أذونات لحفر الآبار، وأنها تملك الأذونات الصادرة عن وزارة الطاقة وحسب.
لذا، فإن إمكانية تسوية أوضاع أصحاب الآبار الذين لم يستحصلوا على رخص حفر قانونية، يبدو مستعصياً طالما أن لا أحد يملك بيانات عنها. فوزارة الطاقة لا تملك أي بيانات طالما أن الذين يحفرون الآبار لا يطلبون الرخص. ووزارة الداخلية لا تملك أي معطيات عن أذونات غير صادرة عنها، كونها غير قانونية، وتمّ منحها من جهات غير مخوّلة بذلك. وبالتالي، سيبقى ملف الهدر في هذا القطاع مفتوحاً إلى أجل غير مسمى، وسيدفع ثمنه فقط بضعة آلاف من الأشخاص، قد لا يتجاوز عددهم ثلاثة آلاف شخص، استحصلوا على الرخص من أصل أكثر من مئة ألف صاحب بئر.
المدن