500 موظف بشركتي الخلوي يقبضون ولا يعملون و”أوجيرو” أسوأ
أخيراً، بدأت اجتماعات لجنة المال والموازنة النيابية
المتتالية، بشأن تقارير التفتيش المركزي ومجلس الخدمة المدنية، حول
التوظيفات في الإدارات والمؤسسات العامة والوزارات، وتحت عنوان “مكافحة
الفساد ووقف الهدر”.. تأتي ثمارها، أو بالأحرى “فضائحها”.
مغارة علي بابا
وإليكم
ما جرى في الاجتماع المخصص لوزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو: أقرّ وزير
الاتصالات محمد شقير، بعدما طلب جدولاً بلوائح الموظفين عندما استلم
الوزارة، بوجود ما بين 400 و500 موظف في شركتي الهاتف الخلوي، يتقاضون
رواتب وهم بلا عمل.
أيضاً، ما كشفه النائب جهاد الصمد حول الأرقام المتعلقة بالتوظيفات منذ العام 2005 حتى العام 2018 في أوجيرو، والمبالغ التي تُدفع لعدد من المستشارين، ربما يفتح باب مغارة”علي بابا”، التي تُسمى وزارات وإدارات الدولة اللبنانية، وخصوصاً “نفط لبنان” أي قطاع الاتصالات كما وصفه رئيس مجلس النواب نبيه بري ذات يوم.
كذلك ، بات من المنطقي السؤال عن الـ10 آلاف شخص، الذين جرى
توظيفهم، ويكبّدون الدولة مبالغ لا تقدر الخزينة على تحملها، حسب النائب
إبراهيم كنعان. فهل هذا الرقم نهائي أم أنه قابل للزيادة بعد أيام، عطفاً
على إجتماعات مع إدارات ووزارات أخرى؟
تضارب الأرقام
يستمر مسلسل تضارب الأرقام، بالنسبة للتوظيفات غير القانونية، في إدارات
ومؤسسات الدولة. وجديدها ما عرضه النائب إبراهيم كنعان، بعد اجتماع لجنة
المال، حول صحة رقمي الـ453 متعاقداً الذين وردوا ضمن تقرير التفتيش
المركزي، والـ54 موظفا في وزارة الاتصالات، والحديث عن 6270 موظفا في
“أوجيرو” في العام 2005 انخفض بنسبة 60 في المئة، وبات 2550 موظفا، بينما
عاد وارتفع بين الـ2017 والـ2018 في سنة الانتخابات بنسبة تصل إلى 60 في
المئة.
في المقابل، أخذ كنعان جرعة دعم لما يقوم به، بعد تلقيه
إتصالاً من رئيس المجلس النيابي، نبيه بري، أكد فيه بري أنه حتى ولو كان
التوظيف في المجلس النيابي لا يخضع لمجلس الخدمة المدنية، فهو سيخضع كل
التعاقد وكل التوظيف في المجلس للجنة المال.
شفافية ودهشة
لكن
اجتماع اللجنة وما تبعه سجل ما يمكن تسميته بالشفافية والدهشة في الوقت
نفسه، فالشفافية برزت باعتراف وزير الإتصالات، محمد شقير، بوجود ما بين 400
أو 500 شاب وصبية، جرى توظيفهم في شركات الخلوي. أما الدهشة فكانت ما
أبرزه النائب جهاد الصمد من معلومات وملفات، تتضمن أرقاماً ومعطيات مهولة
عن التوظيفات والتلزيمات في قطاع الاتصالات.
بالنسبة لشفافية شقير، فهو أقر بأن هؤلاء يتقاضون رواتب من دون عمل. ومن الاقتراحات المتداولة، النظر في حاجات وإمكانات وزارات أخرى لنقلهم إليها وفق شقير، إلا أن النواب اعترضوا بشكل حاسم على هذا التوجه. لأن هذا النوع من الحلول يجافي القانون، لا سيما في ضوء الحاجة لمباراة ومجلس خدمة مدنية. لكن الوزير سيعرض الأمر على مجلس الوزراء، لاتخاذ القرار المناسب، على خلفية عدم رمي هؤلاء الناس في الشارع (حسب تعبير الوزير شقير).
ووصف النائب ياسين جابر لـ”المدن” خطوة شقير بأنها غير
قانونية، لأن المطلوب هو إخضاعهم لمباراة، حتى لو كانت بعض الوزارات بحاجة
للتوظيف.
الأكثر فساداً
وأشار جابر إلى أن هذا العدد يكلف
خزينة الدولة مبالغ كبيرة، خصوصاً أن الأمر لا يقتصر على رواتب هؤلاء،
إنما هناك أيضاً التبرعات والرعايات التي تُدفع من حساب الدولة، بعدما تمت
بدعة تعديل العقد مع شركتي الخلوي عام 2012 (عندما كان وزير الاتصالات
النائب الحالي نقولا صحناوي)، حين أصبحت الرواتب والتبرعات والرعايات على
حساب الدولة، والشركات تجني الأرباح.
النائب علي فياض قال لـ”المدن” إن اجتماع اللجنة أظهر أن قطاع الاتصالات هو أكثر القطاعات فساداً، وعدم التزام بالقوانين، لا سيما وأن الوزير تحدث فقط عن مبلغ بحوالى 20 مليون دولار سنوياً، مخصصة للرعاية، وأنه أخذ قراراً بتخفيض هذا المبلغ إلى النصف.
وتساءل فياض عن حقيقة حصة الدولة من أرباح الخلوي، وعن تراجع عائدات الدولة في أوجيرو، وغيرها الكثير التي تحتاج إلى أجوبة.
قنبلة الصمد
وبعد
اجتماع لجنة المال، فجر النائب جهاد الصمد، ما وصفه بعض النواب لـ”المدن”
بالقنبلة من العيار الثقيل، لجهة نسب ما عرضه من معلومات إلى تقرير إداري
رسمي، صادر عن وزارة الاتصالات، أيام الوزير بطرس حرب، وتمت مناقشته في
مجلس الوزراء
ومما قاله الصمد: “في العام 2005 كان عدد الموظفين والمياومين
والملحقين في هيئة أوجيرو 6270 شخصا، من ضمنهم 127 مياوماً وحوالى 2500
ملحق، انفصلوا من وزارة الاتصالات والتحقوا بهيئة أوجيرو نهاية عام 2016.
بعد 11 عاماً، تراجع هذا العدد بفضل سياسة الحث على التقاعد المبكر، بفضل
الحوافز، وأيضا بعدم توظيف بدلاء عن المتقاعدين، ورفض مبدأ التوظيف
السياسي. فانخفض العدد من 6270 في العام 2005 الى 2550 في نهاية العام
2016، منهم 317 مياوما و595 ملحقاً والباقي 1638 هم في ملاك أوجيرو. أي أن
نسبة انخفاض الموظفين تعادل 60 في المئة”.
أضاف: “أما الوارادت الخاصة
بالهيئة، فقد كانت 850 مليون دولار في العام 2005، وارتفعت إلى مليارين 985
مليون دولار في نهاية العام 2016، فزادت بنسبة 60 في المئة. هذه المعادلة،
أي تخفيض عدد الموظفين وزيادة الإيرادات، لم تحصل، فقد جرى خفض ربحها 60
بالمئة وزادت الإيرادات 60 بالمئة. وهنا ملاحظة خلال 11 عاما، من 2005 إلى
2016، تم توظيف 190 مياوماً أي بمعدل 17 مياوماً كل عام “.
صدمة الأرقام
وتابع:
“في فترة الانتخابات وقبل الانتخابات، في العام 2017 تم توظيف أكثر من 800
مياوم، وفي العام 2018 تم توظيف 560 مياوماً. يعني 1360 مياوماً في
العامين 2017 و2018. ويصل عدد العاملين لتاريخه في هيئة أوجيرو 3910 أي
بزيادة 53 بالمئة للقوى العاملة خلال سنتين فقط”.
وقال: “ما هي كلفة الرواتب والتعويضات وبدلات العمل في الهيئة، نتيجة التوظيفات التي نتحدث عنها. في العام 2016 كانت الكلفة 137 مليار ليرة، وفي العام 2018 أصبحت 327 مليار ليرة، أي بزيادة 140 بالمئة، وهذا يعني أنه نتيجة التوظيفات السياسية، حملت الهيئة أكلاف رواتب وتعويضات وبدلات عمل، مع أن تحويلات وزارة الاتصالات إلى وزارة المالية في العام 2018 تدنت بنسبة 39 بالمئة، وهذا موثق في لجنة المال والموازنة، وفي كلام المدير العام لوزارة المال. وفي العام 2017 تدنت بنسبة 27 بالمئة”.
أضاف: “نحن نطالب رئيس هيئة أوجيرو، وقد سجلنا طلبنا في لجنة المال والموازنة، بموافاتنا بلوائح الرواتب، وفق الأرقام المالية للمياومين والموظفين، الصادرة من مديرية الموارد البشرية للأعوام 2016 و2017 و2018، بتقرير رسمي موقع من مدير الموارد البشرية الأستاذ بسام جرادي، ورئيس هيئة أوجيرو. كما طالبنا بموافاتنا بالكلفة الاجمالية السنوية للرواتب والتعويضات والمنح المدرسية والشهرين 13 و14، ومنح الانتاج السنوية وبدلات الاختصاص وعوامل الانتاج، لكامل العاملين في الهيئة في الأعوام 2016 و2017 و2018”.
قضية طارق عبد الساتر
وتابع الصمد: “هناك أيضا موضوع آخر، له علاقة بهيئة أوجيرو وبالهدر. المستشارون في الهيئة، وهم أكثر من 20 مستشاراً الكلفة الشهرية لهم حوالى مئة ألف دولار، أي ما يوازي في العام حوالى ملياري ليرة لبنانية، لمستشاري رئيس هيئة أوجيرو. وهذه نماذج من العقود للمستشارين وكم هو، كل عقد بين 5 آلاف دولار و7 آلاف دولار و3 آلاف دولار هو موثق”. وقال: “هناك مستشار هو السيد طارق رفيق عبد الساتر، باتفاق رضائي لخدمات استشارية بين هيئة أوجيرو الممثلة بالرئيس المدير العام فريق أول، وعبد الساتر فريق ثان. الفريق الثاني لديه خبرة واسعة في مجال إدارة المشاريع في قطاع الاتصالات، وإعداد الدراسات الهندسية، هذا هو العقد، وذلك لقاء بدل أتعاب شهرية مقطوع 7 ملايين ونصف مليون ليرة. وهذا العقد موقع في 2/5/2018”. أضاف: “لنتحدث عن طارق عبد الساتر، هو مساعد المدير التقني لشركة توريد وبيع أجهزة ومعدات الاتصالات للشركة الصينية “هواوي”، وذلك بدوام كامل، في الوقت الذي تقدمت هواوي لعشرات المناقصات واستدراجات العروض، التي أعلنتها أوجيرو خلال 2018، ما يعني أن مستشار هيئة أوجيرو هو مساعد المدير التقني لشركة هواوي، ولذا ربحت هواوي أكثر من 80 بالمئة من هذه العقود، إن في مجال تمديد الألياف الضوئية أو تركيب السنترالات الذكية أو تركيب المحطات الكهربائية واللاسلكية، بقيمة إجمالية تقارب 450 مليون دولار. فكيف يمكن أن يكون طارق عبد الساتر من جهة مستشاراً رسمياً لصالح العمل، أي لهيئة أوجيرو صاحبة المشروع، ويشارك في لجان إعداد المواصفات ودفاتر الشروط ومواقيت المناقصات وشروطها وعروض المنافسين من جهة، ومن جهة أخرى المدير المساعد لأكبر شركة عارضة والتي تنتهي بربح 80 بالمئة من المشاريع؟ هذه هي النتيجة الطبيعية لهكذا اتفاق رضائي، أي عندما يكون شخص مدير شركة ومستشاراً، ويضع مواصفات ودفاتر شروط ويربح 80 بالمئة من المناقصات”.
إن صحت وثبتت كل هذه الوقائع، فلا ندري إن كان لدينا قاعات محاكم كافية لعدد المرتكبين. فإذا كان هذا حال قطاع واحد في الدولة، فكيف هي أحوال الإدارات الأخرى؟
المدن