«صفقة القرن».. حقيقة أم وَهم؟
إنه «القطوع» الثاني الذي تمر به «صفقة القرن». قبل «قطوع» نجاح بنيامين نتنياهو في انتخابات صعبة ومصيرية كان «قطوع» التحقيقات مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب والذي كان يهدّد بقاءَه واستمرارَه في البيت الابيض والذي انتهى بعد كتابة روبرت مولر نتائج تحقيقه.
نجا نتنياهو أمس من انتخابات صعبة على رغم الهدايا الهائلة التي أغدقتها عليه واشنطن وموسكو وعواصم عربية سمحت له بزيارتها علناً لتدغدغ حلم الشارع الاسرائيلي بتحقيق اندماج اسرائيل دولة طبيعية في منطقة الشرق الاوسط.
نتائج هذه الانتخابات أظهرت انّ حزب «أزرق ـ ابيض» الذي ولد قبل شهرين، اصبح رقماً صعباً في المعادلة السياسية الاسرائيلية ولا بد لنتنياهو، وكذلك لواشنطن، من أخذ ذلك في الاعتبار. مع الاشارة الى وجود احتمال أن يذهب نتنياهو الى حكومة ائتلافية مع «أزرق – ابيض» ما يريحه من مزايدات الأحزاب اليمينية الصغيرة المتطرفة وشروطها الصعبة، وهو ما يستعدّ له مثلاً افيغدور ليبرمان.
كذلك فإنّ نتائج هذه الانتخابات اكدت جنوح الشارع الاسرائيلي في اتجاه اليمين الذي حاز على غالبية مقاعد الكنيست وحلول أحزاب متشددة متل «شاس» في المرتبة الثالثة، وتراجع دراماتيكي لحزب العمل.
ولا شك في أنّ مسار تأليف الحكومة هو المحطة الأهم كون أحد أهم اهداف هذه التشكيلة أن تكون متجاوبة مع الطرح الاميركي حيال إمرار «صفقة القرن» ومشروع ترامب لتسوية النزاع الاسرائيلي ـ الفلسطيني نهائياً.
خلال الايام الماضية زار الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي واشنطن حيث التقى الرئيس الاميركي. لكنّ اللافت انّ التصريحات الرسمية عن هذه المحادثات لم تتضمّن ايّ اشارة الى «صفقة القرن». مع العلم انّ التوقيت ملائم، كما انّ لمصر دوراً أساساً في إمرار الصفقة لجهة ما حُكِي عن احتضان غزة واقتطاع مساحة صغيرة من سيناء وضمّها الى غزة لإقامة «الدولة الفلسطينية» فيها.
وفي الأروقة الديبلوماسية انّ الرئيس المصري متردّد حيال هذا الحل لأنّ الشارع المصري قد يثير شغباً رفضاً لفكرة منح أرض من سيناء وهو الذي كاد أن يشعل ثورة بسبب تسليم السعودية جزيرتي تيران وصنافير في البحر الاحمر. وبالتالي فإنّ عدم التطرق الى «صفقة القرن» بعد القمة الاميركية – المصرية لا بد من أن يعكس وجود عدم تطابق حول بعض الأفكار المطروحة.
وفي الاطار عينه جاءت المقابلة الأولى لوزير الخارجية العماني يوسف بن علوي مع وسيلة اعلامية اسرائيلية لتحمل هواجس اضافية، حيث قال: «إذا تجنبت الخطة ذكر دولة فلسطينية فلن يكون لها مستقبل». وهو ما يؤشر الى وجود اعتراض إسرائيلي على ذكر اسم «الدولة الفلسطينية» إرضاءً لأحزاب اليمين.
في الكواليس الديبلوماسية آراء في انّ «صفقة القرن» قد تجد صعوبة لتأمين ولادتها، وانه ربما الافضل الذهاب الى حلول أخرى كمثل الحل الذي كان ارييل شارون روّج له والقائل بإقامة الدولة الفلسطينية على جزء من الاراضي الاردنية.
ولا شك في انّ واشنطن تنتظر طبيعة التركيبة الحكومية لنتنياهو والائتلافات التي ستحصل وستعطي صورة مسبقة عن النيات الفعلية لنتنياهو. فأن يضم الى صفوف الحكومة احزاباً يمينية متطرفة فهذا يعني أنه يزرع الالغام امام درب ولادة «صفقة القرن».
والنتائج التي أفرزتها الانتخابات الاسرائيلية تؤشر الى تراجع الاحتمالات العسكرية. لا بل إنّ الضغوط على إيران و«حزب الله» لا يجب الذهاب بها الى أبعد ممّا وصلت اليه خشية الوصول الى الانفجار، فيما الهدف تطويع المواقف للتفاوض لاحقاً وانضاج الظروف.
وتردّد على سبيل المثال انّ باريس تواصلت مع واشنطن حول ما ذكر عن ادراج شخصيات محسوبة على الرئيس نبيه بري على لائحة العقوبات. ووفق ما نُقل فإنّ الديبلوماسية الفرنسية ابدت اعتراضها على إعلان ايّ قرار في هذا الاتجاه لأنه يؤدي الى قطع العلاقات مع كل الطائفة الشيعية ويهدم كل جسور التواصل التي لا بد من استخدامها لاحقاً عند بدء مرحلة التفاوض. وان من يسوّق لهذه الافكار هو متهوّر لا يفقه حقيقة الواقع اللبناني.
لا بل على العكس فإنّ الاوروبيين يحضرون البرنامج المطلوب للانطلاق في موضوع الثروة الغازية في المياه اللبنانية بعد تذليل المشكلات العالقة والتي تتعلق بترسيم الحدود البحرية، وهو ما أثاره وزير الخارجية الاميركي مايك بومبيو خلال زيارته للبنان عارضاً وساطته.
وفي الاقتراحات المتداوَلة عقد قمة رئاسية ثلاثية بين لبنان وقبرص واليونان في بيروت خلال الاشهر المقبلة للبحث في هذا الملف بعد أن تكون الحكومة الاسرائيلية قد تشكلت وباشرت واشنطن مساعيها لترتيب هذا الملف.
ولا شك في انّ العواصم الاوروبية، وكذلك واشنطن وتل ابيب تدرك أهمية تأثير «حزب الله» في هذا الملف، وهو ما يستوجب تحضير الاجواء لكي تكون أكثرَ ملاءمةً لا العكس.
صحيح انّ المرحلة الحالية تؤشر الى استمرار شدّ الحبال ورفع مستوى الضغوط، لكن الارجح انها لن تطول كثيراً.
جوني منير / الجمهورية