بين عون وبوصعب… أين الاستراتيجية الدفاعية؟
ليست سياسة النأي بالنفس التي اعتمدتها الحكومة في البيان الوزاري البند الوحيد الذي لا ينفك أهل البيت الحكومي أنفسهم يخالفونه، مسددين السهام إلى صدر الفريق الوزاري، ذي التركيبة الهشة أصلا. ذلك أن الالتزام الرسمي الذي قطعه لبنان لحلفائه وشركائه الدوليين، لجهة وضع استراتيجية دفاعية تضع حدا لظاهرة “السلاح غير الشرعي”، يتلقى هو الآخر ضربات قوية من شأنها أن تزيد المخاوف إزاء احتمال قذفه، هو الآخر، إلى غياهب النسيان.ففي موقف لافت في زمانه ومكانه، أعلن وزير الدفاع الياس بوصعب، على هامش جولته على الحدود الجنوبية، أن الاستراتيجية الدفاعية تبحث عندما تنتفي الأطماع الاسرائيلية، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن أحدا لا يطمح إلى القيام بمهمات نيابة عن الجيش اللبناني “البطل”…وإذا كانت هذه التصريحات قد أثارت استغراب أوساط سياسية سيادية، على اعتبار أنها “تضعف معنويات الجيش”، على حد قول عضو تكتل الجمهورية القوية النائب زياد الحواط، فإن مصادر سياسية فضلت عبر “المركزية” مقاربة الأمور من منظار ما تعتبره “اختلافات” في وجهات النظر بين صفوف الفريق الدائر في الفلك الرئاسي. إذ في وقت بادر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى إطلاق موقف متقدم إزاء هذا الملف الشائك، ذاهبا إلى حد قطع وعد وضعه على طاولة النقاش الجدي بعد الانتخابات، مر عام تقريبا على الاستحقاق النيابي من دون أي إشارات جدية إلى انطلاق هذه الرحلة الشاقة.وتعزو المصادر هذه الحال إلى كون الرئيس عون راهن على حلفه التاريخي مع حزب الله في هذا الشأن. غير أن الضاحية لم تفرج حتى اللحظة عن القرار السياسي المطلوب لانطلاق هذا المسار فعليا، وذلك لحسابات اقليمية باتت معروفة.وفي انتظار القرار الشجاع من جانب الحزب الذي لا يزال متمسكا بسلاحه، تذكر المصادر نفسها أن المجتمع الدولي الذي استجاب لضغط الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون لعقد مؤتمر سيدر قبل أكثر من عام ومد لبنان بجرعة دعم اقتصادية، لم يتوان عن ربط نيل بيروت هذه المساعدات بسيل من الاصلاحات الاقتصادية والاجراءات التقشفية، المعطوفة على التزام لبناني واضح بوضع استراتيجية دفاعية وطنية تضمن “نزع سلاح الميليشيات”، طبقا لما ينص عليه قرار مجلس الأمن الدولي 1559 (2004)، واعتماد سياسة النأي بلبنان عن صراعات الاقليم الملتهب، طبقا لما نص عليه إعلان بعبدا الذي أقرته هيئة الحوار الوطني باجماع أركانها، بمن فيهم حزب الله، في عهد الرئيس ميشال سليمان. علما أن الضاحية وحلفاءها عادوا وتنصلوا من هذا الالتزام لأسباب مرتبطة بتدخل الحزب في الصراع السوري، كما بسياق الصراع السياسي مع الرئيس سليمان.وفي هذا الاطار، تلفت المصادر إلى أن المجتمع الدولي ليس وحيدا في رهانه على استراتيجية دفاعية لبنانية وطنية رسمية، منبهة إلى أن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي لم يتأخر في ملاقاة هذا التوجه، حيث دعا في قداس الفصح في بكركي إلى “احترام إعلان بعبدا”، على مسمع عدد من المناوئين لهذا الاتجاه، ما يعني، في رأي المصادر، أن بكركي وضعت أركان الحكم أمام مسؤولياتهم، مراهنة في ذلك على “الرئيس القوي”، وقدرته على اقناع حليفه الأول، حزب الله، بتسهيل هذه المهمة عليه حفاظا على صورة لبنان ومصداقيته في المحافل الدولية.