حرب غزة الأخيرة: إسرائيل تواجه”طائرة حماس”
انتهت جولة التصعيد الأخيرة في جبهة غزة، لكنها فتحت أبواباً أمام تقيم الأداء والإخفاقات ونقاط الضعف والقوة لدى كل من إسرائيل والمقاومة.
إسرائيلياً، تفكر الدوائر الأمنية جدياً، بعد تأخير دام حوالي عشرين عاما، في استئناف البحث والتطوير لمنظومات تعمل بواسطة أشعة الليزر لإعتراض الصواريخ والقذائف الصاروخية. ويأتي ذلك بسبب النواقص في نجاعة المنظومات القائمة، وهي “القبة الحديدية” و”مقلاع داود” و”حيتس 2″.
وبحسب صحيفة “معاريف”، فإن نسبة نجاح اعتراض القذائف الصاروخية خلال التصعيد الأخير في قطاع غزة كانت، حسب مصادر سلاح الجو الإسرائيلي، أقل مما كانت عليه خلال الحرب على القطاع في صيف 2014 أي قبل خمس سنوات.
وتملك اسرائيل تملك حاليا عشر بطاريات من منظومة القبة الحديدية، وتواجه هذه البطاريات صعوبات في اعتراض العديد من القذائف القصيرة المدى، فضلاً عن أن تكلفة تشغيلها باهظة مقارنة مع القذائف والصواريخ التي تطلقها المقاومة من قطاع غزة.
المقاومة في غزة اعتمدت “تكتيكاً” جديداً خلال جولة القتال الأخيرة للتغلب على منظومة القبة الحديدية، وذلك عبر إطلاق عشرات الصواريخ في الدفعة الواحدة؛ الأمر الذي جعل من الصعوبة بمكان على القبة الحديدية ان تسقط كل الصواريخ في وقت واحد.
ونظرا لهذه المعضلة، تبلورت في الجيش الإسرائيلي وسلاح الجو مؤخرا ضرورة دراسة إمكانيات أخرى أقل ثمنا لإعتراض الصواريخ ومنها العودة إلى النظر في منظومة “ناوتيلوس” التي تعمل بأشعة الليزر. علما بأن هذه المنظومة تم تطويرها وتحديثها منذ عرضها على الملأ لأول مرة قبل 20 عاما.
ويشار إلى أن تكلفة اعتراض الصواريخ في هذه المنظومة أقل بكثير عن المنظومات الأخرى اذ تبلغ كلفة كل اعتراض 1000 دولار فقط .
ولا يزال هناك جدل حاليا في الدوائر العسكرية في إسرائيل حول ما اذا كان تطوير المنظومة محليا افضل من ابتياعها من الولايات المتحدة . وتعمل منظومة ال”ناوتيلوس” بواسطة اشعة الليزر التي تواكب مسار الصاروخ وتفجره في الهواء بفضل درجات الحرارة العالية جدا التي تنتجها الأشعة.
والواقع، أن التقييم العسكري الإسرائيلي لمستوى الأداء في مواجهة غزة الأخيرة لم يقتصر فقط على منظومات التصدي لصواريخ غزة، بل وتطرقت كثيراً إلى قدرات المقاومة العسكرية التي تطورت مقارنة بما سبق.
ولعل أكثر ما يقلق إسرائيل في هذه المرحلة ليس قدرات المقاومة الصاروخية، وإنما ذلك السلاح الجديد الذي طورته كتائب “القسام” الذراع العسكرية لحركة حماس ، واستخدمته خلال جولة التصعيد الأخيرة مطلع هذا الشهر، لأول مرة.
“القسام” طورت طائرة صغيرة تحمل صاروخًا برؤوس حربية مضادة للدبابات، في أحدث جولة من القتال.
وقد حاولت “طائرة حماس العمودية” تدمير مركبة عسكرية تقل جنوداً بإطلاق صاروخ عليها، ووفق التقييمات الإسرائيلية فإن “الصاروخ كان مجهزًا برأس حربي وكان من المفترض أن يتمكن من اختراق أنواع المدرعات التي تمتلكها إسرائيل، لكن الصاروخ أخطأ هدفه”.
حتى الآن كان استخدام حماس العملي للقذائف الصاروخية غير معروف، وحتى في محاولة “الحوامة” مهاجمة مركبة عسكرية مأهولة فشلت، لكن من المعقول افتراض أن حماس ستستخلص الدروس وأن التطور سيستمر، بحسب الإعتقاد الإسرائيلي.
ووفق متابعات “المدن” فإن إسرائيل تدرك منذ عام 2015 أن حركة “حماس” بعد قناعتها بأن سلاح الأنفاق الذي كان فاعلاً في حرب 2014 لن يكون كذلك وبالمستوى نفسه في أي مواجهة شاملة قادمة نتيجة الأساليب الإسرائيلية لمواجهتها، فإن الحركة تحاول منذ أربع سنوات تطوير سلاح جديد يمس بالدبابات والقبة الحديدية عن طريق طائرة مسيرة.
ولذلك عملت الدولة العبرية على الحيلولة دون تطوير هذا السلاح؛ فقامت باغتيال مهندسيَن خلال السنوات الأخيرة باعتبارهما مسؤولين عن تطوير سلاح “الطيارة المسيرة” والتي تستخدم ليس فقط لأمور الإستكشاف والرصد بل وتدمير أهداف إسرائيلية.
وكان الشخص الأول الذي تم اغتياله في تونس ب11 طلقة نارية في ديسمبر/كانون أول 2016، هو مهندس الطيران التونسي محمد الزواري. وأكدت حركة “حماس”، أن الموساد وراء عملية اغتياله، وانتماء الزواري لكتائب “القسام”، وإشرافه على مشروع تطوير طائرات من دون طيار أطلق عليها اسم “أبابيل”.
ثم بعد ذلك اغتالت إسرائيل الشخص الثاني الذي تتهمه-في أروقتها الداخلية وبعيداً عن الإعلام- بتطوير سلاح “الطائرة المسيرة” ألا وهو المهندس والأكاديمي الفلسطيني فادي البطش في ماليزيا قبل أكثر من عام.
إذاً هي اغتيالات تندرج في سياق حرب “العقول” التي تدور رحاها بين “القسام” وإسرائيل، وبشكل صامت وبعيداً عن المواجهة العسكرية التقليدية التي نشهدها بين الفينة والأخرى كلما وقع التصعيد.
والحقيقة أن ما أقلق إسرائيل خلال جولة القتال الأخيرة وفي أعقابها ليس فقط “طائرة حماس المسيرة” التي استخدت لأول مرة قبل اسبوعين، بل وتطوير سلاحها البحري.
فقد قال زئيف ألموغ القائد الأسبق لسلاح البحرية الإسرائيلي، إن “إسرائيل تواجه تهديدا بحريا قادما من غزة ، وذلك بسبب تطوير حركة حماس إمكانياتها البحرية”.
وذكر الجنرال الاسرائيلي في مقال في صحيفة “يديعوت احرونوت”، السبت، إن “هذا التهديد يعيد إلى الأذهان التاريخ الطويل خلال سنوات السبعينيات، حين عاشت إسرائيل خلال عشر سنوات موجة من العمليات الدامية عبر الساحل البحري، ومن حينها غيرت إسرائيل سياستها في هذه الجبهة، مما يتطلب منها انتهاج الطريقة ذاتها لمواجهة التهديد القادم من سواحل قطاع غزة”.
ولهذا، فقد قامت اسرائيل منذ اللحظة الأولى بدء التصعيد الاخير بقصف عشرات الزوارق البحرية على شاطىء غزة، تعتقد أنها “مموهة” وتستخدم لأغراض عسكرية لصالح “حماس” خاصة والمقاومة عموماً.
وبينما يواصل الذراع العسكري ل”حماس” تطوير وبناء قوته، فقد قامت كتائب “القسام” خلال الساعات الماضية بإطلاق صواريخ نحو البحر كجزء من التجارب بتحسين أداء ودقة الصواريخ. وكأن “القسام” تستعد للحرب الحتمية القادمة والتي هي مؤجلة لا أكثر، في ظل تأكيدات ل”المدن” بأن ما يجري في غزة من تفاهمات “شفوية” للتهدئة بين إسرائيل و”حماس”، لا يعدو أكثر من “حقن مسكنة”.