“حزب الله”… وزراعة “الحشيشة”؟
راكيل عتيّق – الجمهورية
بعد «فورة» تأييد تشريع زراعة نبتة القنب الهندي للإستخدام الطبي والصناعي من قوى سياسية عدة، وبعد صدور «تقرير ماكنزي» في تموز 2018 الذي أوصى بتشريع هذه الزراعة التي ستدرّ مليار دولار أميركي سنويًا على الخزينة، وفي زمن تبحث الدولة عن «القرش» في جيب المواطن لسد العجز، يُطرح السؤال: ما مصير قانون تشريع زراعة القنب الهندي، ولماذا لم يُقرّ الى الآن؟
الحكومة «لم تُلحِّق» قانون تشريع زراعة أنواع محددة من القنب الهندي، تماماً مثلما لم تشمل في «موازنتها التقشفية» الكثير من مكامن الهدر والفساد والمصادر التي تدرّ الأموال على الخزينة، فالتأخّر في تأليف الحكومة أدّى إلى الاستعجال بعملها و»تحصيل ما يُمكن تحصيله». أمّا في المجلس النيابي فـ»الشغل ماشي» في اللجنة النيابية الفرعية المُكلّفة درس اقتراح قانون تشريع القنب الهندي، وما زالت الكتل النيابية تقدّم اقتراحات قوانين في هذا الخصوص.
المسار التشريعي
إعداد وإقرار قانون كهذا يتطلّب تهيئة الرأي العام، موافقة غالبية الجهات السياسية والطائفية، درس دقيق وضوابط محددة، إذ انّ هناك محاذير كثيرة يُمكن الوقوع فيها، خصوصاً أنّ هناك أنواعاً من هذه النبتة تُحَوّل إلى مواد مخدرة أي «الحشيشة» وتتم زراعتها منذ سنوات. لذلك تسود مخاوف من تشريعها أو استغلال تشريع النبتة لدواعٍ طبية، لإمرار زراعة الحشيشة والإتجار بها، خصوصاً أن لبنان ملتزم معاهدات دولية تحظّر أي نوع من المخدرات.
وعن المسار التشريعي لهذا القانون، يؤكّد رئيس اللجنة الفرعية المكلفة درسه، النائب ياسين جابر لـ«الجمهورية»، أنّ «المسار ليس بطيئاً»، لافتاً إلى «أننا اخذنا بعض الوقت لتهيئة الرأي العام. فالصورة كانت مغايرة لدى الغالبية، وكأننا نشرّع «الحشيشة» أو زراعة المخدرات، الأمر غير الصحيح، بل نحن نسعى من خلال هذا القانون إلى الحد من زراعة المخدرات والإتجار بها، كذلك نستدعي كثيراً من الخبراء والإختصاصيين للإستماع إلى آرائهم في اللجنة».
في المرحلة الراهنة، تستكمل اللجنة الفرعية، التي تضمّ أعضاء من كل الكتل النيابية، درس إقتراح القانون الذي تقدّمت به كتلة «التنمية والتحرير»، والذي حُوّل إلى اللجنة وفق النظام الداخلي لمجلس النواب. إلّا أن هناك إنفتاحاً من جميع النواب الأعضاء في اللجنة على النقاش وعلى كل إقتراحات القوانين، بغية دمجها والوصول إلى أفضل قانون ممكن، خصوصاً أنّ عضو كتلة «الجمهورية القوية» النائب أنطوان حبشي وعضو تكتل «لبنان القوي» ماريو عون، اللذين تقدّما باقتراحي قانون بهذا الخصوص هما من أعضاء اللجنة.
ميزتان.. تفاضلية وتنافسية
بعد النقاش داخل اللجنة والإستماع إلى آراء خبراء، جرى الإتفاق لغاية الآن على أن يُصار إلى تشريع زراعة القنب للإستخدامات الطبية والصناعية. فهناك نوع من القنب ينتج منه ألياف قوية تُستخدم في صناعة السيارات والطائرات وحبالاً للبواخر، كذلك يُستخرج من جذع النبتة زيت يُستخدم في مستحضرات التجميل. وهناك صنف ثانٍ من النبتة يُستخدم للعلاجات الطبية وهو المعروف عالمياً.
واللافت، انّ وجهات نظر جميع الأطراف متقاربة، ولا خلاف حول الأمور الأساسية. وإلى الآن، جرى الإتفاق على عدم تولّي الدولة هذا القطاع ولن تُنشأ مؤسسة على غرار «الريجي» بل ستُشكّل هيئة ناظمة لتنظّم الأمور وتكون مسؤولة عن إعطاء الرخص والمراقبة، أي التأكّد من أنّ الزراعات غير مخدّرة، لكنها لن تدخل في مسألة التجارة والبيع والشراء. كذلك، هناك قناعة أنّ المطلوب زراعة بجودة عالية من أجل تصدير أكثرية المواد المصنّعة من القنب إلى الخارج بسبب ضيق السوق اللبناني. ومن المُرجّح عدم تحديد هذه الزراعة بمساحة جغرافية أو حصرها في البقاع فقط.
وعلى رغم من أنّ الدولة اللبنانية تدخل متأخّرة على خط تشريع هذه الزراعة، التي تستفيد منها دول كثيرة، مثل إسرائيل وكندا والدنمارك والولايات المتحدة الأميركية، إلّا أنّ لبنان يتميّز عن غيره من البلدان بميزتين تفاضلية وتنافسية. فلبنان جرّب هذه الزراعة واختبرها سابقاً، وهي ناجحة في أراضيه. كذلك، إنّ كلفة هذه الزراعة في لبنان أقل من كلفتها في البلدان الأخرى، فعلى سبيل، المثال تبلغ تكلفة زراعة ميليغرام من القنب في كندا دولاراً أميركياً واحداً، فيما تكلّف في لبنان 20 سنتاً.
بين «أمل» و«التيار»
وفيما سبق أن تقدّم كلٌ من كتلة «التنمية والتحرير» و«الجمهورية القوية» باقتراح قانون لتشريع زراعة القنب، وعلى رغم من أنّ تكتل «لبنان القوي» يتمثّل بالنائبين شامل روكز وماريو عون في اللجنة الفرعية، المكلّفة درس القانون، ويمكنهما إبداء ملاحظاتهما، إلّا أنّ التكتل فضّل أخيراً إقتراح قانون بدوره.
ويوضح عون لـ«الجمهورية»، أنّ «سبب التقدّم بهذا الإقتراح هو «معالجة الثغرات الموجودة في اقتراح كتلة «التنمية والتحرير» الذي تدرسه اللجنة الفرعية، ولتعديل مواد قد تشكّل خطراً على المجتمع، فنحاول إدخال إصلاحات عبر إقتراح القانون الذي تقدّمنا به رسمياً إلى مجلس النواب». ويشير إلى أنّ «إقتراحنا قريب من الإقتراح الذي سبق أن قدّمه النائب أنطوان حبشي».
من الإختلافات بين اقتراحي «التنمية والتحرير» و«لبنان القوي»، مهام الهيئة الناظمة وتحديد الشركات المخوّلة مهمة التصنيع المواد الناتجة من نبتة القنب الهندي. كذلك، هناك إختلاف بين الإقتراحين على المادة التي تحدّد سلطة الوصاية على هذا القطاع. فـ«التنمية والتحرير» ترى أنّ وزارة الزراعة يجب أن تكون الوصي، فيما يعتبر «لبنان القوي» أنّها يجب أن تكون وزارة الصحة. ومن المرجح أنّه سيُصار إلى اعتماد حل ثالث وهو أن يكون القطاع تحت وصاية رئاسة الحكومة، لأنّ الهيئة الناظمة تُعيّن من مجلس الوزراء.
«حزب الله» يتحفّظ
تعمل اللجنة على إقرار ضوابط قوية منعاً لاستغلال ثغرات في القانون لزراعة الحشيشة. هذا القانون إحدى وسائل مكافحة زراعة «الحشيشة» التي لا يُمكن مكافحتها بمنعها فقط. وتعوّل اللجنة على إقتناع المزارع بإستبدال زراعة «الممنوعات» بأنواع نبتة القنب الهندي المسموحة والمشرعة. إذ إنه لا يستفيد من زراعة المخدرات، بل المستفيدون هم مجموعة من التجار والمُهرّبين. كما أنّ المزارع سيجني أكثر من زراعة قانونية بدلاً من أن تكون مزروعاته معرّضة للتلف، او أن يُسجن أو تصدر مذكرات ملاحقة بحقه فيبقى هارباً من العدالة، خصوصاً أنّه خبير بزراعة هذه النبتة، وكل أنواعها تُعتبر «عائلة واحدة» وتُزرع بالطريقة نفسها ويلائمها المناخ نفسه.
«حزب الله» هو الوحيد الذي خرج عن هذا الإجماع، فأعلن تحفُّظه على تشريع هذه النبتة لأي دواعٍ وعلى «المشروع من أساسه» بنحوٍ مطلق وليس على اقتراح قانون محدّد. وعبّر ممثل «الحزب» في اللجنة النائب حسين الحاج حسن عن تحفّظ «الحزب»، وذلك لأنّه «يحرص على مصلحة المزارعين خصوصاً في منطقة البقاع». ويتخوّف «حزب الله» من «أن يوهم هذا التشريع المزارعين في البقاع بأنّه المنقذ»، ولا يقبل إلّا «بما يريده المزارعون».
وتشير مصادر «حزب الله» الى «الجمهورية»، إنّ «وجهة نظرنا تختلف عن وجهات نظر الآخرين حول هذا الموضوع، وإنّ «التنمية والتحرير» و«لبنان القوي» وغيرهما مخطئون. فبالنسبة لنا لا جدوى إقتصادية من هذا التشريع».
في المقابل، يرى البعض أنّ رفض تشريع زراعة نبتة القنب للإستخدام الطبي والصناعي وإقناع المزارع باستبدال «الحشيشة» الممنوعة بهذه الزراعة القانونية، يعني «أننا نذهب نحو انتشار زراعة الحشيشة وتعميمها في المجتمع، خصوصاً أنّ الدولة مُحجمة عن تلفها منذ سنوات عدة».