بكركي مستاءة من باسيل واقتصاده “المقاوم”
أثارت زيارة رئيس التيار الوطني الحر، وزير الخارجية، جبران باسيل، على رأس وفد قيادي وشعبي من التيار إلى بكركي، الأحد الماضي، لتقديم واجب العزاء بالبطريرك الراحل نصرالله صفير تساؤلات واستياء في الصرح البطريركي. وهي تساؤلات لم يبلغ صداها أي قوة سياسية في البلاد نظراً لخطورة ما قاله باسيل من أمام الصرح، من دون تنسيق أو حتى إبلاغ البطريرك الراعي بمضمون الحديث، خصوصا عن ربط لبنان بمحور المقاومة من الناحية الاقتصادية، حين قال باسيل: “ونحن اليوم مع بكركي سوف نقوم بمقاومة اقتصادية لتحرير بلدنا من القرار الاقتصادي والمالي الذي أفلسه، ووضعنا جميعا رهائن سياسات الفساد والهدر للمال العام،”.
لعل التذكير ينفع
مصادر قريبة من
الصرح البطريركي استغربت مضمون كلام باسيل، وكأن بكركي كانت غائبة عن الشأن
الاقتصادي في البلاد، وحصر البطريرك الراحل صفير والحالي مار بشارة بطرس
الراعي همهما بالشأن السيادي والاستقلالي. وأشارت المصادر إلى أن الكنيسة
المارونية لم تهمل يوما الجانب الاقتصادي. فالبطريرك الراحل مار نصرالله
بطرس صفير لم يهمل يوماً هذا الجانب، سواء عبر عظاته أيام الأحاد أو من
خلال بيانات مجلس المطارنة الموارنة، ومذكرة بالاجتماع الشهير الذي دام سبع
ساعات بين عدد من المطارنة، برئاسة البطريرك الراحل صفير والرئيس الشهيد
رفيق الحريري، حين نوقشت الخطط الاقتصادية للرئيس الشهيد، وخلص إلى الاتفاق
على قضية الإنماء المتوازن والنهوض الاقتصادي. وانحصر التباين في وجهات
النظر ين الجانبين في شأن الوجود السوري، إذ كانت للرئيس الشهيد مقاربته
التي لم توافقه عليها بكركي. وإن الكنيسة أصدرت عام 1998 وثيقة عرفت ب
“وثيقة بكركي الاقتصادية والاجتماعية”. وتضيف المصادر ان بيان المطارنة
الموارنة الشهير الذي اطلقوه عام 2000، تضمن فقرة كاملة في الشأن
الاقتصادي، إلى جانب الشق السيادي، وكان الجانب الاقتصادي ركيزة الحديث عن
ضرورة انسحاب الجيش السوري من البنان، تحقيقا للسيادة اللبنانية على كل
المستويات، ومن ضمنها الاقتصادية.
وتذكِّر تلك المصادر أن المجمع البطريركي الثاني، الذي صدرت مقرراته سنة 2006 حمل نظرة اقتصادية شاملة لرؤية المسيحيين للبنان، على المستويات التربوية والاجتماعية والاقتصادية، ومن ضمنها بند بعنوان الكنيسة والاقتصاد. وتضيف أنه بين عامي 2008 و2009 استعانت الكنيسة بخبراء اقتصاديين متنوعين من كل المذاهب والطوائف اللبنانية، وعقدت لقاءا ت واجتماعات عدة، لبحث مآلات الوضع الاقتصادي في البلاد.
وتشير إلى أنه، ومنذ العام 2011 وحتى اليوم، لم يمهل ولم يهمل
البطريرك الراعي، مع مجلس المطارنة، الحكومات المتعاقبة إلا ووجه النداءات
الاقتصادية على اختلافها، وأن البطريرك الراعي أصدر عام 2015 وثيقة
اقتصادية.
بكركي ونبيه برّي
وأضافت ان ما حصل الأحد
الماضي هو أن البطريرك الراعي أعلن موقفاً من إساءة بشارة الاسمر، في حين
أن ما قام به الوزير باسيل جاء ليصيب أكثر من عصفور بحجر واحد. فباسيل
أراد دفن المرحلة السياسية التي قادها البطريرك الراحل نصرالله صفير، حين
قال إن “البطريرك صفير وبكركي في المراحل السابقة قاموا بمقاومة سياسية
لتحرير لبنان”، واضعاً كل مرحلة صفير في سياق سابق انتهى. وكأن سيادة لبنان
واستقلاله تحققا واستعاد مواطنوه حريتهم الناجزة!
في جانب آخر، أراد باسيل الدخول إلى الشأن الاقتصادي من بوابة
الاتحاد العمالي العام، عبر سياسته الممنهجة، للاستئثار بجميع المواقع
المسيحية في السلطة. فوجد في إساءة الاسمر فرصة سانحة ليفاوض على موقع
رئاسة الاتحاد. وأيضا، اراد باسيل التصويب على رئيس مجلس النواب نبيه بري،
من خلال بشارة الأسمر، وعبر موقع بكركي، ما سبب انزعاجاً في بكركي،
خصوصاً ان الصرح البطريركي قدر عاليا مشاركة الرئيس بري شخصيا في تشييع
البطريرك صفير. وحرص بكركي والرئيس بري على العلاقة الجيدة بينهما،
والمستمرة منذ أيام البطريرك الراحل نصرالله صفير.
جزء من “العالم الحرّ”
أما
ثالثة الأثافي التي تطرق إليها باسيل، هي مشروع “المقاومة الاقتصادية”،
المناقض لنظرة بكركي لاقتصاد لبنان، فتقول المصادر، إن كل وثائق بكركي
تتحدث عن التعاون مع المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الدولية
ومؤتمر سيدر. وتعتبر بكركي أن لبنان جزء من منظومة العالم الحر المتطور،
وليس ضمن الدول المحاصرة بالعقوبات.
وتضيف ان نظرة بكركي للفساد تختلف عنها لدى باسيل. فهي تعتبر أن التعيينات والتوظيفات، أياً كانت، يجب أن تمر عبر القنوات الدستورية والقانونية، سواء مجلس الخدمة المدنية أو الوزارات المختصة، مستشهدة بعشرات العظات للبطريرك الراعي، يطالب فيها بوقف التهريب ووقف التهرب الضريبي ومعالجة وضع الإدارة والفساد.
وتضيف المصادر أن بكركي جمعت منذ شهر تقريباً حوالى 250 رجل أعمال مسيحياً، لوضع ورقة إنقاذ اقتصادية. وهي تبادر، عبر دراسات ومراكز أبحاث، بمقاربة الشأن الاقتصادي في البلاد. وهي معنية به من خلال مؤسساتها التربوية والصحية والانتاجية. ولها نظرتها التي تتناقض بالكامل مع نظرة الوزير باسيل في “اقتصاد المقاومة”.
وتختم المصادر أن بكركي غير معنية إلا بما يصدر عنها. وما قاله الوزير باسيل يعبر عن وجهة نظره، التي تحترمها دوائر بكركي وإن كانت تختلف معها.
جليل الهاشم / المدن