حفاوة سعودية بقائد الجيش: الرئاسة تبتعد عن باسيل
يسوّق ثنائي التسوية (عون، الحريري) ما يسميانه نجاحاً في
إنهاء التوتر، ولملمة المناكفات، والاتفاق على ما هو أبعد من الاختلافات
اليومية. فبعد اجتماع الخمس ساعات: “صَفَتْ القلوب بيني وبين الوزير
باسيل”، يقول الرئيس سعد الحريري لبعض الذين التقاهم، ومن بينهم رئيس حزب
القوات اللبنانية، سمير جعجع، الذي أجاب بأنه لا يضير القوات استمرار
التسوية.. “لكن الأساس بالنسبة إليها هو تصويب البوصلة وتحسين طريقة
إدارتها”. وفي الوقت الذي يوحي فيه الحريري وباسيل بأن لا مشكلة، والتسوية
قائمة، وقابلة للاختزال بشخصيهما وحسب، هناك من يعارض هذا الاستسهال
والاستخفاف، معتبراً أن التسوية لا يمكنها الاستمرار على هذا المنوال، مهما
كابر الطرفان.
التحرك العسكري
يقتضي التصويب اجتراح
عبارة بديلة عن “التسوية”، لأنها لم تعد تعني سوى ثلاثة أفرقاء، هم التيار
الوطني الحر، تيار المستقبل، و”فوقهما” حزب الله، الذي يبقى بعيداً عن
المماحكات والحزازات. وهذا يعني أن الاطراف التي لا تزال تصرّ على وضع
نفسها حشراً في تلك التسوية، هي التي تتلقى الضرر الأكبر منها. وهناك من
يبحث عن خيارات بديلة، للتأكيد بأنه لا يمكن الاستمرار بهذا المسار، ولا
يمكن للتسوية أن تكون قائمة أو سائرة على عواهنها، في ظل كل التحركات التي
تشهدها البلاد من اعتصامات وإضرابات، والتي على ما يبدو أن معظمها في كفة،
وتحركات العسكريين المتقاعدين في كفة أخرى.
التحركان الأساسيان للعسكريين المتقاعدين، كانا في توقيتين
لافتين، الأول بعد زيارة قائد الجيش إلى الولايات المتحدة الأميركية.
والثاني أثناء زيارته للمملكة السعودية. في التحرك الأول، حاول العسكريون
المتقاعدون اقتحام السراي الحكومي. ووضع مراقبون هذا الحدث في سياق التنافس
المبكر بين الوزير جبران باسيل وقائد الجيش جوزيف عون على “الرئاسة”.
اعتبر هؤلاء أن باسيل يريد إحراج قائد الجيش بمسألة تخفيض رواتب وعلاوات
المتقاعدين، والتقليل من المخصصات المقدمة لهم، بالإضافة إلى فتح النقاش
بالتدبير رقم ثلاثة.
اهتمام سعودي فائق
الزيارة إلى
السعودية لافتة في توقيتها وشكلها ومضمونها. إنها الزيارة الأولى التي
يجريها قائد للجيش اللبناني إلى السعودية، بناء على دعوة رسمية. وحسب ما
تؤكد المعلومات، فإن حجم الاهتمام السعودي بزيارة عون فاق التوقعات، إذ
استقبل بمراسم على سوية “استقبال رئيس جمهورية”، وفق طبيعة الترتيبات
والمراسيم التي أجريت، ومن خلال اللقاءات التي عقدها. وهذا مشهد لا بد من
التمعن فيه. بل ويمكن الاستنتاج منه أن تغييراً طرأ في التعامل السعودي مع
لبنان، منذ آخر حدث بارز في العلاقة، أي يوم “استقالة” الرئيس سعد الحريري
من الرياض. هذا التغيّر يدفع البعض إلى الاعتقاد بأن مقاربة سعودية جديدة
تمثّلها هذه الزيارة بأهميتها ونتائجها. وهي بلا شك، توحي بدبلوماسية
سعودية جديدة بدأت علاماتها تبرز على الساحة اللبنانية، بالتزامن مع زيارة
وفد مجلس الشورى السعودي إلى بيروت للتأكيد على أهمية العلاقة اللبنانية
السعودية وتعزيزها.
التنسيق مع واشنطن
الزيارة الأولى
لقائد للجيش اللبناني إلى السعودية، تأتي بعد ثلاث زيارات قام بها جوزيف
عون إلى الولايات المتحدة الأميركية. وكل المعلومات تؤكد أن علاقاته
بالأميركيين أكثر من جيدة، وآخذة في التطور سريعاً, وهذا أكثر ما يستفز
الوزير جبران باسيل، الذي أيضاً لديه فريق واسع وقوي في الولايات المتحدة،
يشكّل قوة ضغط لتعزيز وضع رئيس التيار الوطني الحرّ مع مراكز القوى
الأميركية. وربما كان بديهياً الاستنتاج أن الزيارة إلى السعودية لا يمكن
أن تنفصل عن زيارات عون إلى واشنطن، خصوصاً بعد الزيارة الأخيرة، التي كانت
لقاءاتها على قدر كبير من الأهمية. ما يعني أن هناك تنسيقاً أميركياً
سعودياً قد سبق زيارة الرياض.
المعروف، أن لا رضى سعودياً خصوصاً ولا خليجياً عموماً على
مسار التسوية في لبنان، ولا على أداء الوزير جبران باسيل بالتحديد. فهو غير
مرحّب به في السعودية. وبعد موقفه الأخير حول العمالة أثار الكثير من
الاستياء السعودي، رسمياً وشعبياً. وكان الردّ عليه واضحاً في هذا
الاستقبال الحافل لقائد الجيش، وبالتنسيق مع الأميركيين، الذين ينقسمون إلى
أكثر من تيار، فبعضهم يؤيد باسيل وعلى علاقة جيدة معه، بينما البعض الآخر
على النقيض من ذلك.
الامتعاض من باسيل
لقاءات جوزيف عون
في السعودية تترافق مع امتعاض واسع من تصرفات باسيل، وتلتقي قوى سياسية
متعددة على رفض استمرار هذا المسار الذي أرسته “التسوية الرئاسية”. وربما
ينتظر هؤلاء نتائج لقاءات قائد الجيش في السعودية، وما سيرشح عنها، للبناء
على الشيء مقتضاه في الداخل. وقد يتجلى على ضوئها حراك سياسي بعيد من
الإعلام، لتشكيل عامل ضغط على “تناغم الحريري – باسيل”. وفي المضمون، أيضاً
لا بد من انتظار نتائج الزيارة على صعيد تقديم المساعدات للجيش، وربما
إعادة تحريك الهبة السعودية لتسليحه. ما يعني، أن التكتيك السعودي الجديد
سيصل إلى درجة مضاعفة دعم قائد الجيش أميركياً وسعودياً، في ظل محاولة
إضعاف المؤسسة العسكرية، عبر بنود الموازنة وغيرها. وهذا سيكون رداً بشكل
أو بآخر على تصرفات باسيل.
على هذا المستوى، ليس صدفة أن تتزامن زيارات جوزيف عون ولقاءاته الخارجية مع تحركات العسكريين المتقاعدين في الشارع، بغض النظر عن الجهة التي يستند عليها هؤلاء في تحركاتهم، سواء كانت مغطاة من قبل المؤسسة العسكرية، أم من قبل أطراف أخرى تريد التعكير على قيادة الجيش، وقد يجوز الوجهان في مكان ما، أي أن البعض يدعم المؤسسة العسكرية، والبعض الآخر يتظاهر بدعمها لكن مقصده مختلف ويريد إحراجها.
التصادم المحتمل
يوم اجترح الوزير جبران باسيل مفهوم الـ”LEBANITY”، وقبلها حديثه عن التحالف المشرقي، كان ينسجم مع تطورات عالمية، يرى فيها تصاعد القوى المطالبة بعودة الدول إلى حدودها. أو بمعنى أوضح، يتلاقى مع طروحات اليمين الأوروبي، أو منطق “أميركا أولاً”. فأراد أن يتماشى مع مفهوم القومية بمعناها الاعتصابي، الذي يعاود إنتاجه داخل كل دولة، وإن أراد باسيل تغليف ذلك بمسألة التحالف المشرقي أو حماية الأقليات. لكن مسار باسيل على هذا الدرب، سيصطدم طريق آخر يُشَق منذ ست سنوات ويسيطر على التحولات التي تعيشها المنطقة العربية، والتي نشهد فيها عودة “حكم العسكر” المدعوم من المملكة العربية السعودية والإمارات خصوصاً. مسار كان قد بدأ في مصر، ويتم استكمال تعميمه في كل من الجزائر وليبيا والسودان. وكأن هناك من يريد أن يسحب هذا التعميم على الواقع اللبناني مستقبلاً، طالما أن التسوية “الديموقراطية” والانتخابات الأخيرة لم تلب طموحات نصف اللبنانيين ولا الدول الخليجية.
منير الربيع / المدن