قوى السلطة تتقاسم “ديموقراطياً” المجلس الدستوري
قالها بصراحة ووضوح رئيس الحكومة، سعد الحريري: “ليس هناك صفقة أو صفقات في التفاهم على انتخاب أعضاء المجلس الدستوري. فمن ينتخب هؤلاء هو مجلس النواب، الذي يُمثل الأحزاب والقوى السياسية، والتي يتكون منها مجلس الوزراء. فلماذا ستكون ديموقراطيتنا مختلفة عن ديموقراطيات العالم، فهذه الديموقراطية تقول إذا نجح الجمهوريون أو الديموقراطيون في أميركا، فمن أين يأتون بأشخاص إلى الإدارات؟”.
هكذا رد الحريري على مداخلات النواب الذين انتقدوا طريقة
التفاهم والتقاسم لأعضاء المجلس الدستوري، التي جرت في جلسة انتخاب خمسة
أعضاء، هم حصة مجلس النواب. وهي الآلية التي ينص عليها قانون إنشاء المجلس
الدسنوري، على أن تستكمل الحكومة تعيين الخمسة الآخرين في وقت لاحق، لا
يبدو أنه سيكون بعيداً، حسب التفاهمات التي أبرمت في الكواليس.
تفاهمات
وقد
لاقى الحريري في رده عضو تكتل “لبنان القوي” و”التيار الوطني الحر” النائب
ألان عون، الذي “غرّد” بعد جلسة الانتخاب مؤكداً أنه إلى حين تعديل قانون
إنشاء المجلس الدستوري، وجعل اختيار أعضائه من قبل مجلس القضاء الأعلى، فإن
توافق الأكثرية سيأتي بأعضاء المجلس.. على أمل تحررهؤلاء من ناخبيهم.
وكان سبق جلسة الانتخاب اجتماع لهيئة مكتب مجلس النواب، “غربل” خمسة أسماء من بين 59 مرشحاً، تقدموا بطلباتهم إلى مجلس النواب حسب الأصول، وفقاً للتفاهم السياسي وتوزيع الحصص بين القوى السياسية الغالبة.
وفي حين طُرحت الأسماء من دون إلزام النواب بالتقيد بأي
تفاهم، إلا أن “اللبيب من الإشارة يفهم”، فأصحاب الحظ من القضاة بمعزل عن
خصالهم ومناقبيتهم، “تمت تسميتهم من فوق”، وما على النواب إلا التنفيذ،
باستثناء القلة القليلة، الذين انسحب بعضهم، كنائبي حزب “الكتائب” سامي
ونديم الجميل، والنائبة بولا يعقوبيان والنائب جميل السيد. طبعاً، من دون
تنسيق مسبق سوى بين بولا والجميّل.
المعترضون
جلسة
الانتخاب، التي سبقتها سلسلة مواقف نيابية تعترض على ما اعتبرته مخالفة
دستورية في كيفية انتخاب أعضاء المجلس الدستوري، وصلت فيها المواقف إلى
المطالبة بإلغاء هذا المجلس، وكذلك المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء
والوزراء، طالما السلطة الحاكمة هي التي ستُعين المجلس الدستوري والمجلس
الأعلى، كأنهما وُجدا لحمايتهم وليس لمحاكمتهم.
النواب المعترضون والمنسحبون من الجلسة، ولا سيما بولا يعقوبيان، تعتبر تحول المجلس إلى هيئة ناخبة في دورة استثنائية فيه مخالفة دستورية فاضحة للمادة 33. كما أن “المجلس الدستوري الحالي يدرس طعوناً نيابية، وما زال يبتها، فكيف نغير المجلس الدستوري أثناء بت الطعون؟ إن النواب المطعون بنيابتهم لا يمكنهم أن يصوتوا لأعضاء مجلس دستوري جديد، فإذا كانت المحاصصة تطغى على كل شيء في لبنان، فهذه المسألة بالشكل وبالقانون غير مسموح بها ولا مقبولة”.
وقالت لـ”المدن”: “يعتمدون الطريقة ذاتها في كل شيء ويوزعون
الحصص ويقررون، بمعزل عن المؤسسات، فكيف يمكن توزيع السيرة الذاتية لنحو
خمسين شخصاً قبل ساعة أو أقل من العملية الانتخابية مع الأسماء؟”. وأكدت أن
“ما جرى في الجلسة غير صحيح، وطرق المراجعة فيه صعبة جداً. بماذا ستطعن
وأمام من؟ بتعيين أعضاء مجلس دستوري جديد أمام مجلس دستوري لم يُسلم بعد؟
قبل أو بعد أداء اليمين؟ كل ما جرى غريب ولا يجب أن يحصل”.
مثال للتعيينات
في
المحصلة، توزعت القوى السياسية الكبرى حصص المجلس الدستوري، فنال “التيار
الحر” العضوين المسيحيين القاضي طنوس مشلب (ماروني، 72 صوتاً) والقاضي
أنطوان بريدي (أرثوذكسي، 71 صوتاً) على الرغم من غياب رئيس التيار الوزير
جبران باسيل عن الجلسة، وحصل الثنائي الشيعي أمل وحزب الله مع أرجحية
للرئيس بري على الاسم الشيعي القاضي عوني رمضان (73 صوتاً)، والسني من حصة
الرئيس سعد الحريري القاضي أكرم بعاصيري (71 صوتاً) والدرزي القاضي رياض
أبو غيدا (79 صوتاً) من حصة الوزير والنائب السابق وليد جنبلاط.
ومن المفترض أن تكتمل الصورة مع تعيين الحكومة خمسة أعضاء آخرين موزعين طائفياً كالآتي: سني، سيسميه الرئيس سعد الحريري، والشيعي سيسميه الثنائي الشيعي أمل وحزب الله، وواحد ماروني وإثنين كاثوليك، يُفترض أن يكون للقوات اللبنانية رأي وازن بهما، إذا لم نقل “حصة”، وكذلك تيار المردة إلى جانب التيار الحر ورئيس الجمهورية.
وهكذا يكون تعيين وانتخاب أعضاء المجلس الدستوري، عينة من ملف التعيينات، التي ستنطلق في المرحلة المقبلة في أكثر من موقع ومركز شاغر في الإدارات والمؤسسات العامة. ليبقى ما تنص عليه القوانين معلقاً بيد سلطة التقاسم.
المدن