هكذا كوفىء وليد جنبلاط الذي أمسك ناصية الشارع والتاريخ
كثيرة هي المآخذ السياسية واليومية على وليد جنبلاط، وربما لا تتسع هذه السطور لتفنيدها. لكننا في موازاة الحملات الظالمة والممنهجة، لا بد أن نسارع إلى قول كلمة حق تُنصف هذا الرجل الشجاع. ولا بد أيضًا أن نرد على أولئك التائهين الذين صاروا جزءًا لا يتجزأ من المعصية الوطنية، ولو كان لأحدنا أن ينتفض لرفيق الحريري وقيمه وكرامته ومسيرته في اليومين الماضيين، لقطع لهم جميعًا تذاكر نفي بلا عودة.
حين هوى رفيق الحريري وكدنا ننجرف جميعًا إلى الإحباط واللايقين، وقف وليد جنبلاط وأمسك ناصية الشارع والتاريخ. رفع السقف السياسي نحو منتهاه. كسر حاجز الصمت والخوف. ثم حوّل الفجيعة إلى ثورة. ولو لم يُسجل هذا الرجل في صفحات تاريخه السياسي إلا هذا الموقف، ومواقفه الناصعة والمشرّفة من النظام السوري والثورة اليتيمة، لكفاه ذلك وكفانا.
ما تقدم لا يعفي وليد جنبلاط قطعًا من النقد أو الاشتباك، لا سيما إزاء بعض المواقف والسياسات التي تركت انطباعًا عميقًا بالظلم والغبن والإساءة. هذا طبيعي ومشروع ضمن تركيبة سياسية شديدة الخصوصية والتعقيد. لكن ما يبعث على القلق يكمن في طريقة التعاطي، حيث يصح أن يجلس رئيس الحكومة خمس ساعات على مائدة الحوار مع وزير خارجيته بعد عاصفة سياسية غير مسبوقة، فيما يعمد فورًا إلى إطلاق حملة شعواء بوجه وليد جنبلاط، وهي حملة لامست حدود التهكم والشتيمة، عبر استخدام أقذع الأدبيات السياسية وأفظعها على الإطلاق.
يبرع رئيس الحكومة وتياره السياسي وفريقه اللصيق في استهداف أهل بيتهم وحلفائهم. وقد أعطونا دروسًا رهيبة في توضيح أحد أكثر الأمراض المستفحلة والمستعصية. حيث يندفع صاحب هذه النقيصة إلى ضرب زوجته، انتقامًا على ضعف وهوان لا حول لها فيه ولا قوة. حصل هذا مع سمير جعجع أثناء تشكيل الحكومة الراهنة. وقد لامس العرض آنذاك حدود التهديد الإعلامي المباشر بإخراج القوات من تشكيلة جاهزة وناجزة، قبل أن يُفجر الأمين العام لحزب الله قنبلة اللقاء التشاوري بوجه سعد الحريري ويرغمه على السير تمامًا وفق خارطة طريقه.
يحصل هذا أيضًا مع وليد جنبلاط. ذاك الرجل الذي يعاني وضعًا دقيقًا في الجبل. ويواجه ثلة من الحاقدين والمدفوعين وشذاذ الآفاق. جميعهم يريدون كسره والنيل منه توازيًا مع أكثر اللحظات حساسية في تاريخ الجنبلاطية السياسية، وقد وقف على رأسهم النظام السوري بقده وقديده، وانضم إليهم جوقة من الشتامين والمحرضين وحفاري القبور. هذا كله لم يشفع لوليد الذي ما برح يصرخ رفضًا للإصرار على طيّ صفحته وتهميش حضوره ولَي ذراعه. وكان لا بد أن يأتيه الجواب مدويًا من الحريرية التائهة. تلك التي صارت تتملق جبران باسيل وتشك خنجرًا في خاصرة وليد جنبلاط.
لا يستوي هذا الشرح إطلاقًا دون التعريج على أهل البيت. أولئك الذين صفعهم سعد الحريري واحدًا تلو الآخر على مذابح كرامتهم وعنفوانهم وصلابتهم السياسية والوطنية. من فؤاد السنيورة ونهاد المشنوق وأشرف ريفي، إلى أحمد فتفت ومعين المرعبي ورضوان السيد، وكثرة كاثرة من الرجال الرجال الذين أخرجهم من بيته وأجلس مكانهم نجيب ميقاتي ومحمد الصفدي ومجموعة من الأشباح والمصفقين والودائع.
أفنى رفيق الحريري نصف عمره وحياته وهو يبحث خلف الأدمغة والخلاّقين والألمعيين. أولئك الذين اصطحبهم وصار معهم وبهم مالئ الدنيا وشاغل الناس. أخبروه أمس أن أحمد ابن شقيقته أعاد نشر تغريدة لوئام وهاب يتهمه فيها بشراء الذمم، قبل أن يعود ويهاجم وليد جنبلاط بصورة مقلاة فيها بيضة. فجن جنونه. ونام حزينًا إلى الأبد.
قاسم يوسف / ليبانون ديبايت