سمير جعجع في الجبل: تصويب الخطاب المسيحي
منير الربيع – المدن
صور كثيرة، وذكريات مثقلة، رافقت سمير جعجع خلال انتقاله من معراب إلى دير القمر مساء الجمعة. تلك المنطقة تعني للرجل كثيراً، من حروب ودماء أزهقت على دروبها، إلى المسؤولية التي تحملها لحماية دير القمر، وتأمين ممر آمن للخروج منها، في حرب الجبل. كان يعرف جعجع أنه آت مثقلاً بالتاريخ. وحتى المعارك التي خاضها، لم يبتدئها هو ولا الذين كانوا بوجهه. كانت موروثة، تلك الوراثة التقليدية للصراعات بين الجماعات اللبنانية. لكن الرجل المبدئي من طينته، يحرص دوماً على صناعة الواقع وليس التماشي معه. هذا ما سعى إليه في الحرب، وأعاد انتاجه في السلم. فكان الوحيد إلى جانب وليد جنبلاط، معتذراً عما ارتكب في تلك الحرب.
ثلاثة ركائز
منذ حادثة قبر شمون، والموقف الذي اتخذه رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، إلى جانب وليد جنبلاط من دون تردد. أصرّ رئيس “القوات” على إبعاد ما يحدث عن الطابع الطائفي أو المذهبي، واضعاً المعركة في سياقها السياسي. وهو عبّر في إحدى الإطلالات، أن في عمق اللبنانيين تواجداً وجدانياً وسياسياً وشعبياً لقوى 14 آذار. لذا، اتخذ جعجع موقفه من منطلق سياسي وطني، ضد الاستفراد بأي طرف. وهو كان يعرف أن ما بعد معركة جنبلاط، ستفتح المعركة ضده. وهذا ما حصل ويحصل. في حينها راودت جعجع فكرة التوجه إلى الجبل، لإثبات ثلاثة ركائز. الأولى، أن المسيحيين متجذرين ومؤثرين. والثانية، هي أنه مرحب بهم لأنهم في أرضهم ووسط بلدهم. ولا يحتاجون إلى إذن أو ما شابه. وما تعرض له الوزير جبران باسيل، هو رد فعل على سياسته الاستفزازية، وليس موجهاً ضد المسيحيين. أما الثالثة، فهي تأكيد التحالف مع وليد جنبلاط.
في خضم الأزمة، أعلن جعجع أن الجبل يعيش بكل أهله وطوائفه،
وبتجاوز كل الحقبة الماضية التي يحاول البعض أن يعيد نبش قبورها، مدعياً
أنه لم يكن له علاقة بها..
التحالف مع “الاشتراكي”
نام
جعجع ليل الجمعة في الشوف، كأنما يرد بذلك على ما أشاعه البعض من أن
المسيحي يخاف النوم في الشوف. قبل ذلك، وُضعت مواعيد عديدة لزيارة جعجع إلى
الشوف، لكن من يعرف الرجل، يعي أنه يفاجئ في هكذا مبادرات لأسباب أمنية.
فهو غير قادر على التحرك بسهولة كما غيره من السياسيين، لأنه مهدد. ويتحرك
وفق اعتباراته، وليس وفق اعتبارات الآخرين. من عيد السيدة إلى غيره من
المواعيد التي ضربت لإجراء الزيارة، في فترة وجود رئيس الجمهورية بالمقر
الصيفي ببيت الدين. فاعتبر البعض أنه لا يريد القيام بهذه الزيارة كي لا
يُجبر على زيارة عون في ظل الخلاف بينهما. الأمر الذي تنفيه المصادر أيضاً،
وتعتبر أن الأسباب ترتبط حصراً بالوضع الأمني.
وعليه، اختار جعجع يوم السبت زيارة الشوف، وفق ما تقول مصادر متابعة، بهدف لقاء مناصريه وجمهوره، وتوكيد ديمومة المصالحة، والتأكيد على أن ما يجري على الساحة السياسية، هو صراع سياسي حصراً، لا علاقة له بالماضي، إلا من لا يزال يعيش بالماضي، أو الذي يعتبر فقط أن عودته للماضي تمنحه صك براءة عن ما يقترفه اليوم، لعلّ ذلك يستدر له شعبية مصنوعة من ضغائن وإثارة غرائز. لكن هذا المنطق وإن خدم أصحابه حالياً إلا أنه سيرتد عليهم سلباً.. كما على المسيحيين.
يذهب جعجع إلى الشوف، ترافقه ذكريات من ماضي أليم، كان أكد مراراً تجاوزها. وهو المصرّ على تحالف سياسي مع الحزب التقدمي الاشتراكي ووليد جنبلاط. وكان قد أثبت إصراره على روح الوفاق بين جميع اللبنانيين، وخصوصاً في الجبل، بموقفه من حادثة قبرشمون، وأثناء توجهه إلى دار الطائفة الدرزية لتقديم التعازي بالشيخ علي زين الدين.
وهنا لا بد من ذكر أنه في أعقاب حادثة قبرشمون، كان جعجع أول
من أوحى بضرورة الحذر من تكرار تجربة المجلس العدلي معه ومع القوات. وأثبت
مسلسل الأحداث فيما بعد صوابية رأيه. ولذلك اتخذ موقفه الواضح برفض المجلس
لأنه صاحب أحكام معروفة.
دعم مصري – سعودي
قضى
جعجع ليلة الجمعة في دير القمر، متحضراً ليوم شوفي طويل، من خلال جولاته
ولقاءات على مختلف القرى المسيحية والدرزية. طابع الجولة سيكون شعبياً،
ويريد لها أن تشبه زيارة البطريرك نصر الله صفير، وإن لم يكن التحضير
متشابه في المختارة. هو يريد فقط لقاء الناس، لأن البرنامج (المعلن) يخلو
من زيارة قصر المختارة. وإن تم لقاء بينه وبين جنبلاط، فلا بد من ربطه
بتوقيته السياسي، غداة تلقي جعجع رسالة دعم سعودية مباشرة ضد أي محاولة
لمحاصرته، وبعد أيام على عودة جنبلاط من مصر محملاً بدعم لدوره وموقعه.
ما يريده جعجع من هذه الزيارة هو إعادة تصويب الخطاب المسيحي. خطاب يرتكز على رحابة لبنانية وطنية، تمثّل توازناً مسيحياً بمواجهة الخطاب المتشنج، الذي لا يصب في صالح المسيحيين، ولا يخدمهم على المدى البعيد. لا، بل يعتبر بعيداً عن خطابهم التقليدي، الذي يتمثل بمسار “ثورة الأرز” و14 آذار.