عشاء برّي والحريري وجنبلاط: هل يؤكل باسيل؟
أرخت حادثة الجبل بظلالها على المشهد السياسي. لم تعد محصورة
فقط في “الصراع” بين الحزب التقدمي الإشتراكي والتيار الوطني الحرّ.
فالسلوك الذي يمارسه الوزير جبران باسيل، وعلى ما يبدو أنه سيستمر في
المرحلة المقبلة، هو الذي أدى إلى تفجّر المشهد السياسي. وأكثر من ذلك، فإن
الإحتقان الذي انفجر في الساحة الدرزية، لقي أصداء مماثلة في بيئات
ومجتمعات أخرى، بينها مسيحية وأخرى إسلامية.
الاعتراض على باسيل
لذا،
تحرّكت سريعاً بعض القوى لشجب تصرفات باسيل واستفزازاته، التي لم تقتصر
على الجبل، وإن كان الأبرز. فردّ فعل طرابلس واضح في رفض زيارة باسيل
المفترضة. وهو ما دفع بالحريري إلى الطلب من رئيس الجمهورية التدخل لإلغاء
زيارة باسيل إلى عاصمة الشمال. وقبلها كان رد الفعل في بشري، أو حتى في
مناطق تهيمن عليها شعبية حركة أمل.
ينقسم المشهد السياسي حالياً إلى قسمين، باسيل وحلفاؤه، مقابل جنبلاط وحلفائه. ولم يكن هامشياً مسارعة سليمان فرنجية لانتقاد “الزيارات الاستفزازية”، ولا حتىّ حضور سمير جعجع شخصياً إلى دار الطائفة الدرزية في تقديم واجب العزاء بالشيخ علي زين الدين. اختار جعجع توقيت موقفه حسب “ساعته”، وبالشكل الذي يريده، فلم يلجأ إلى إصدار أي بيان أو تصريح صحافي. لكن وضوحه تجلّى في لقائه مع مشايخ الدروز. ولم يتأخر الحريري عن إطلاق مبادرة إيجابية تجاه جنبلاط بعد جعجع، فوقّت زيارته إلى دار الطائفة الدرزية، لتقديم التعازي بزين الدين، أثناء حضور وليد جنبلاط، حيث تبادلا أطراف الحديث، بصورة تمهّد للقاء يوم الأربعاء. والرئيس نبيه برّي الذي يدعو إلى التعقّل، قلبه مع وليد جنبلاط. ولهذه الغاية عمل منذ فترة على جمع جنبلاط والرئيس الحريري على عشاء، لترتيب العلاقة بينهما.
تتبلور الصورة المعارضة لباسيل أكثر فأكثر، وتتوسع إسلامياً
ومسيحياً، خصوصاً بعد موقف البطريركية المارونية، ومواقف رؤساء الحكومات
السابقين، تزامناً مع مسارعة الرئيس فؤاد السنيورة لزيارة الصرح البطريركي،
والتأكيد على رفض الاستفزاز والحفاظ على المصالحات، وعدم الإخلال
بالاستقرار أو التوازنات.
تعطيل مجلس الوزراء
أمام هذه
الهجمة المضادة التي تعرّض لها باسيل، لم يلجأ إلى الانكفاء، وإن غاب عن
المشهد والتصريح حتى بعد ظهر الثلاثاء. لكنّه اختار الردّ بتعطيل جلسة مجلس
الوزراء، وعقد اجتماعاً لوزرائه في وزارة الخارجية. وكانت هذه أبلغ رسالة
أراد أن يقرأها الجميع، خصوماً وحلفاء. فحواها، أنهم إذا ما اختاروا
محاصرته أو مواجهته، فبيده قوة تعطيل الحكومة وحتى استقالتها. وهو لوح
بذلك، محاولاً فرض شروطه: “إما تحال حادثة قبر شمون إلى المجلس العدلي أو
لن يحضر وزراء تكتله جلسة الحكومة”. المستهدف في هذه الرسالة ليس كل خصوم
باسيل، بقدر ما هو الرئيس الحريري، الذي أراد باسيل إمساكه بيده التي
تؤلمه، أي بتعطيل جلسات مجلس الوزراء.
استخدم باسيل أوراق قوته، ليقول إنه لن يتراجع، وليخيّر
الحريري بين الذهاب إلى جبهة تناهضه، أو البقاء في موالاته. وأراد من خلال
ذلك، الضغط على الحريري، لاستباق اللقاء الذي سيعقده مع جنبلاط برعاية
الرئيس نبيه برّي. وهنا يجد الرئيس سعد الحريري نفسه محرجاً، كيفما أراد
التقاط كرة النار هذه، وهو يراها تزداد اشتعالاً بين يديه، فيسارع لأن يلعب
دور الإطفائي. ما يحّتم عليه الآن الوقوف في موقع الوسطي، محاولاً لملمة
الأمور بأقصى حدودها، للحفاظ على الاستقرار والتوازن. حادثة الأحد الدامية،
على قساوتها ومأسويتها، أبعدت الأزمة بعض الشيء عن وليد جنبلاط. وردُّ
وزراء تكتل لبنان القوي بمقاطعة الجلسة، وضع الحريري في موقع المتعرض
للمزيد من الضغوط من قبل باسيل.
التقارب الثلاثي
حاول
الحريري إبعاد الحكومة عن موقع التجاذب، في وقت أصر باسيل على تنفيذ شروطه،
قابلته شروط الحزب التقدّمي بالموافقة على إحالة الملف على المجلس العدلي،
لكن بشرط أن يشمل حادثة الشويفات أيضاً، ويتم تطبيق القانون على كل الناس،
وعدم السير بمسار “تكسير الرؤوس”. الأمر الذي رفضه “تكتل لبنان القوي”.
وتؤكد المعلومات، أن هناك انسجاماً بين موقف التقدمي الاشتراكي وموقف
الحريري وبعض القوى الأخرى. تعاطى الاشتراكي بإيجابية مع الحريري ومساعيه.
وكان الهم الأساسي هو النتائج بمعزل عن الشكل والأسلوب. ومما قاله
الاشتراكي للحريري، بأنهم لا يريدون أن يحرجوه، ولكن المسار الذي يسلكه
تكتل لبنان القوي يسعى إلى ليّ ذراع رئيس الحكومة، عبر ابتزازه بتعطيل
الجلسة، فكان الاقتراح بتأجيل الجلسة، ريثما يتم تأمين التوافق.
لم تكن مناورة باسيل لتعطيل الحكومة لتحدث، حسب المصادر، لو لم يكن حزب الله موافقاً ضمنياً عليها. فالحزب يريد التأكيد إنه إلى جانب حلفائه، في موازاة إفهام الحزب الاشتراكي أنه أيضاً لا يريد التصعيد، متجاوزاً ما قاله الوزير محمود قماطي في لقاء خلدة. الاشتراكي يطالب بحل منصف للجميع، أما استمرار محاولات الإبتزاز فهي لن تؤدي إلى أي نتيجة. ويراهن الإشتراكي على موقف رئيس الحكومة لوقف هذا المسار المتدهور، في الحكومة وغيرها. وهذا بالضبط ما سيتم بحثه في اللقاء الثلاثي بين بري، الحريري، وجنبلاط. خصوصاً أن الاشتراكي يريد تعزيز العلاقة مع الحريري من أجل اليوم والمستقبل، فما حدث يوضع في عداد الامتحان الواجب تجاوزه. وبحال جرى التأسيس جدياً في المصالحة والعلاقة بينهما، فإن ذلك سيعيد التوازن إلى الحياة السياسية، وسيعمل جنبلاط على دعم الحريري بكل ما أوتي من قوة، معنوياً وشعبياً.
في غمرة الانشغال بتعطيل الحكومة، ثمة من نصح الحريري بتأجيل الجلسة ليوم الخميس، فتُعقد بعد اللقاء بينه وبين بري وجنبلاط، لما سيكون لهذه الصورة من تأثير سياسي ومعنوي، يعزز التوازن. والأكيد أن الحريري لا يريد أن يكون في محور بوجه الآخر، وسيحاول العمل على الموازنة بهدوئه ودماثته.
منير الربيع / المدن