“وزير العهد الصاعد “غضب عارم في طرابلس الرافضة استقباله سياسيًا وشعبيًا
في سياق زيارة جبران باسيل المرتقبة إلى طرابلس، علمت “المدن” أنّ باسيل ربما يقدّم موعد زيارته (بدل تأخيرها)، ليوم السبت في 6 تموز 2019، وهو وضع برنامج زيارته. وهو يقوم بالتواصل دائمًا مع قيادة الجيش وبعض الأجهزة الأمنية في طرابلس، لجسّ نبض الشارع، والأوضاع الأمنية التي سترافق زيارته! وفي وقتٍ يبدو أنّ باسيل يدرك تمامًا مخاطر زيارته إلى عاصمة الشمال، وهو ما قد يزيده حماسة ورغبة بالتحدي، باعتبار أنّ جولاته حول المناطق هي حقّ طبيعيّ له، علمت “المدن” أيضًا، أنّه متى حُسم موعد مجيئه للمدينة، يتحضر النائب فيصل كرامي لاستقبال باسيل على مأدبة الغداء في طرابلس، وقد وجه له دعوةً شخصية لهذه الغاية.
في هذه الأثناء، بدأ منسوب التوتر يتصاعد في المدينة.
هكذا،
يبدو أنّ الأيام المقبلة تعد اللبنانيين بأن يكون وزير الخارجية، جبران
باسيل، هو شغلهم الشاغل أكثر مما هو الحال راهناً؛ طالما أنّه لن يتوانى عن
بذل قصارى جهده ونشاطه لاستكمال “سياحته الداخلية”، المليئة بالاستفزازات،
في عطلة كلّ نهاية أسبوع، رغم كلّ الاضطرابات التي يثيرها حوله على امتداد
البلد. حين زار باسيل البقاع الغربي، منطقة أقوى “أصدقائه” حالياً، ومسقط
رأس الوزير “السّني” في تكتله داخل الحكومة، حسن مراد، استفزّ الأهل هناك
بمقولته أنّ “السنيّة السياسية جاءت على جثّة المارونية السياسية، وأخذت
كلّ حقوق المسيحيين، وأنّه من الطبيعي أن يسعى لاستعادة ما يعتبره قد سُلب
منهم”. وحين زار بشري وقعت الإشكالات، وبعدها في بعلبك – الهرمل كانت
الاستفزازات. وتابع باسيل رغم كل شيء أجندة خطابه التحريضي والطائفي، قبل
أن يصل إلى الجبل الذي هُدرت الدماء على أرضه، بعد خطابٍ لتيّاره قام على
“نبش القبور” وإعلاء المتاريس مجدداً بين الدروز والمسيحيين.
تسريب وغضب
طبعًا،
لن يتوقف “وزير العهد” الصاعد عند هذا الحدّ. ففي الوقت الذي يتحضر فيه
لزيارة مدينة طرابلس، في نهاية هذا الأسبوع، من دون أن يكترث لغضبٍ عارمٍ
في المدينة الرافضة لاستقباله، سياسيًا وشعبيًا، استبقها بتهجّم على وزيرة
الداخلية والبلديات ريّا الحسن، التي تحولت منذ توليها منصبها في الحكومة،
إلى “صقر” من صقور لبنان. وهي إبنة طرابلس بالتحديد، بل هي اليوم مدعاة فخر
المدينة والشمال كله. وهذا الوزير، في سياسته، يقتات من التناقضات
اللبنانية والسجالات الطائفية والعنصرية، بدا كأنّه أراد عمداً – في ما
سُرّب عنه بحديثه الذي دار مع الحسن، خلال اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في
بعبدا – أن يصبّ الزيت على النار، لضخّ جرعات إضافية من استفزازه المتواصل
لكثرة متكاثرة من اللبنانيين.
الرواية الأولى التي نشرتها صحيفة “اللواء”، تشير إلى أنّ
باسيل توجه للحسن قائلًا “انتبهي ع حالك عم قلك”، قبل أن تردّ عليه بلجهةٍ
حادة “روح شوف حالك، أنا ما حدا بيهددني”. الرواية الثانية التي سرّبت عن
أوساط باسيل الوزارية، تشير أنّ الحسن بادرت لسؤاله “زعلان مني”؟ ليجيبها
“في حدود وبدك تنتبهي”. لكن، في كلا الروايتين، اللتين جاءتا على إثر
“العتب” على مواقف الحسن، سواء من الاعتداء الارهابي في طرابلس، حين وصفت
المعتدي عبد الرحمن مبسوط بـ”المختل عقليًا”، ومن ثمّ موقفها من أحداث
الجبل، وما قيل أنّها وصفت زيارات باسيل بـ”الاستفزازية”، أو في ما أشارت
إليه في طلّتها التلفزيونية مع الإعلامي مارسيل غانم، أنّ “مقاربة باسيل
لملف النازحين تزعجها”، كانت النتيجة واحدة: غضبٌ شعبي وسياسي بالغٌ من
باسيل، الذي بدا في نهاية المطاف، يهدد الحسن لحثّها على كبح مواقفها منه.
الصمت والتضامن
وإذا
كان باسيل ومعه فريقه، يعتبر أنّ وضع كلامه في سياق “التهديد” لا أساس له
من الصحة، إلّا أنّ ردود الأفعال المنددة به، هي أيضًا نتيجة سياق تراكمي،
رفضًا لمنطق “الاستعلاء” الذي يتّبعه باسيل، ولسياسته الاستقوائية في البلد
والحكومة. والحملة التضامنية الواسعة مع الحسن، لم تكن وليدة ساعتها ولا
تتعلق فقط بمضمون ما دار بينه وبين الوزيرة، بل عبّرت عن حالة النقمة
الشعبية والسياسية في لبنان، على لغة باسيل وأدائه، ومواقفه واستعراضاته.
لم يصدر أيّ تأكيد أو نفي رسمي من قِبل الحسن عن الروايتين المتداولتين. وهذا الامتناع عن التوضيح، والالتزام بالصمت، أي لا النفي ولا التأكيد، هو على الأرجح “تأكيد دبلوماسي” (إذا صح التعبير) من الحسن على “الحادثة الكلامية” مع وزير الخارجية. وفي مراجعةٍ لمواقف الحسن من الأحداث في البلد ومن باسيل تحديدًا، يبدو كأنّها تحمل في قبضة يدها “بطاقة بيضاء” من رئيس الحكومة سعد الحريري، حتّى تفعل ما تراه مناسبًا، وحتّى تتخذ المواقف اللازمة سواء من باسيل أو غيره، وربما من القضايا التي يتفادى الحريري أن يُحرج بها مع باسيل. ويبقى السؤال: هل صوت الحسن هو صوت الحريري أيضًا؟
في الواقع، استطاعت ريا الحسن أنّ تعبر عن غضب الكثيرين، ممن يفتشون عن فرصة للتعبير عن امتعاضهم الكبير من باسيل. إذ أثبتت الحسن، أنّها وزيرة داخلية كلّ لبنان، من ردود الأفعال التضامنية معها، التي شملت معظمهم القوى والأطراف. أمّا باسيل، فقد أثبت مرّة جديدة، أنّه وزير خارجية فريقه ونفسه وعهده. شريحة واسعة من اللبنانيين، اعتبرت أنّ الحسن التي هي أول امرأة تتولى حقيبة الداخلية، وبعد أن أثبتت جدارتها بانكبابها على عملها الأمني بصمت، “ما بتتهدد”. لكنّ اللافت، كان موقف أهالي طرابلس، الذين عبّروا عن تضامن مضاعفٍ مع ابنة مدينتهم، من دون أن يفصلوا تضامنهم عن تحذير باسيل من المجيء إلى المدينة، في هذا التوقيت الحرج والحساس، وكأنّ زيارته المرتقبة ستكون لعبًا بالنار مع الشارع، الذي يترصد مجيئه غير المرحب به.